كتاب معاني النحو (اسم الجزء: 2)

غرض بذكرهم فإنه أراد أن يصف المؤمنين بإيتاء الزكاة.
ونحو هذا أن تقول (هو يطعم اللحم ويكرم الدنانير) فقد ذكرت أنه متصف بصفة إطعام اللحم وإكرام الدنانير، ولم يتعلق غرض بذكر آكل اللحم وآخذ الدنانير، بل أردت أن تقول أن هذه صفته وخصلته، وأنه مختص بهذا النوع من الاطعام والاكرام، فإن قلت (هو يكرم السائلين ويطعم الجائين) قيدته بالصنف الذي يكرمه ويطعمه أي هو متصف بهذه الخصلة وهي إكرام السائلين وإطعام الجائعين ولم ترد أن تذكر ماذا يكرم أو يطعم.
وقد يراد مجرد الحدث مسندا إلى فاعله دون تعلقه بشيء آخر فلا تذكر له مفعولا كأن تقول (هو يكرم ويطعم) أي هو متصف بهذه الخصلة ولا تريد ان تذكر ماذا يكرم أو من يكرم ولا ماذا يطعم أو من يطعم، ومثله أن تقول (قد وقع منك ما يؤذي) أي يؤذي إلى الإيذاء فأخرجته مخرج العموم، ولو قلت (ما يؤذيني) لكنت قيدت الإيذاء بك، وهناك فرق بين التعبيرين كما هو ظاهر، فالأولى الإيذاء فيه عام، والثاني مقيد وما يؤذيك ربما لا يؤذي غيرك، فإذا أردت أن ما وقع منه يؤدي إلى الإيذاء عموما، أي مما يتأذى به الخلق لم تذكر المفعول، وإن أردت أن ما وقع منه يؤذي واحدًا أو صنفا بعينه، ذكرت ذلك الصنف الواحد.
ومن هذا الباب قوله تعالى: {فأما من أعطي واتقى، وصدق بالحسنى} [الليل: 5 - 6]، ولم يذكر من اعطى ولا ما أعطى، وإنما أراد ان يصفهم بصفة العطاء والتقوى، ونحوه قوله تعالى: {لا يضل ربي ولا ينسى} [طه: 52]، أي لا يتصف بالنسيان، الا ترى لو قلت: (هو لا ينسى المواعيد) لكنت قيدت عدم النسيان بالمواعيد، وقد ينسى غيرها بخلاف ما لو قلت (هو لا ينسى) أي غير متصف بالنسيان، ومثله قوله تعالى: {ليس علىكم جناح أن تأكلوا جميعا أو اشتاتا} [النور: 61]، فلم يذكر مفعولا لفعل الأكل لأنه لا يتعلق غرض بذكره، ولو ذكره لكان السامع يحسب أن عدم الجناح من حيث أكل ذلك الشيء بعينه فلو قال مثلا (ليس عليكم جناح أن تأكلوا اللحم جميعا أو أشتاتا) لفهم منه أنه لو أكل غير اللحم لكان عليه جناح، ومثله قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم

الصفحة 95