كتاب خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية (اسم الجزء: 2)
وتركهم ما أمر الله به أن يؤتى، ثم عطف عليه كونهم مفسدين في الأرض.
ثم أخبر عنهم بأنهم الخاسرون.
والمتأمل يرى أن كل جزء تقدم على آخر فإنه كالسبب فيه أو أخص منه
وما أتى بعده عام. أو حكم تقدمت مسبباته. فجاء التعبير محكم البناء،
موصول العرى، متلاحم الفقرات.
(ع) الانسجام: وقد عرَّفه ابن أبى الإصبع بأن يكون الكلام منحدراً
كانحدار الماء النسجم بسهولة سبك وعذوبة ألفاظ وسلامة تأليف.
حتى يكون للكلام موقع في النفوس وتأثير في القلوب ما ليس لغيره وإن خلا من البديع.
وهذا الانسجام ينطبق على آيتينا هاتين بل ينطبق على كل موضع في القرآن
الكريم فهو وصف عام له. لم يختص به موضع دون آخر.
(ت) المجاز: هكذا عدُّوا المجاز من فنون البديع، وهو في آيتنا ظاهر فى
بعض مواضعها كالنقض في الإبطال، والتوثق في الحفاظ على عهد الله،
والقطع في الترك والوصل في الفعل، ومن قبل هذا كان الاستحياء في الترك
أيضاً.
(ص) الإدماج: وهو كما عرَّفه ابن أبى الإصبع أن يدمج غرض فى
غرض أو بديع في بديع بحيث لا يظهر إلا أحد الغرضين.
وهذا قد مَرَّ بنا فى موضعين من النص الكريم:
أحدهما: دمج التكافؤ في المقابلة في قوله تعالى:
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا) .
فإن " يضل " و " يهدى " مَجازيان - كماَ سبق -
وهذا تكافؤ مدمج في المقابلة.
الصفحة 460
503