كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 2)

أقرهم في الأرض بإطالة مدتهم ومدة خلفهم فقد أحسن إليهم، كما قال سبحانه: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ1} ، وذلك ضدُّ ما يعمل بالعاصين الذين يسحَتُ2 أعمارهم، ويصطلِمُهُم بذنوبهم وجرائم أفعالهم.
ومن ذلك قراءة الثقفي3: "تَتَفَيَّأُ ظُلَلَهُ4"، وقراءة الناس: {ظِلالُهُ} .
قال أبو الفتح: الظُلَلُ: جمع ظُلّة، كحِلّة وحُلَلَ، وجِلّة وجُلَل. وقد يكون ظِلال جمع ظُلَة أيضا، كجُلَة وجِلال. وقالوا أيضا: حُلّة وحِلال، بالحاء غير معجمة. وقد يكون ظِلال جمع ظِلّ، كشِعْب وشِعاب، وبِئْر وبِئار، وذِئب وذِئاب.
ومن ذلك قراءة الزهري: "تَجَرُون5"، بغير همز.
قال أبو الفتح: هذا في قوة القياس كقراءته أيضا6 [90ظ] : "لَكُمْ فِيهَا دِف7"، وأصله "تَجْأَرُون"؛ فخفف الهمزة بأن ألقاها ونقل فتحتها إلى الجيم، فصار "تَجَرُونَ"، كقولك في تخفيف يَسْأَلون: يَسَلُون، وفي يَسْأَمُون: يَسَمون. ونظائره كثيرة قوية.
ومن ذلك ما يُروى عن قتادة: "ثُمَّ إِذَا كَاشَفَ الضُّرَّ8"، بألف.
قال أبو الفتح: قد جاء عنهم فاعَلَ من الواحد يراد به فَعَلَ، نحو طارَقْتُ النعل، أي: طرقْتُها، وعاقَبْتُ اللصَّ، وعافاه اللهُ، وقانَيْتُ اللونَ، أي: خلطته، في أحرف غير هذه، فكذلك يكون "ثُمَّ إِذَا كَاشَفَ الضُّرَّ" أي: كشف. ونحوه منه في المعنى والمثال: راخيتُ من خناقه، أي أرخيْتُ.
__________
1 سورة النور: 55
2 سحته: أهلكه واستأصله، ومثله اصطلمه.
3 الثقفي ساقطة في ك.
4 سورة النحل:48.
5 سورة النحل: 53.
6 أيضا ساقطة في ك.
7 سورة النحل: 5، وانظر الصفحة السابعة من هذا الجزء.
8 السورة السابقة: 54.

الصفحة 10