كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 2)

سورة الكهف:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ "كَبُرَتْ كَلِمَةٌ1" رفعا يحيى بن يعمر والحسن وابن محيصن وابن أبي إسحاق والثقفي والأعرج -بخلاف- وعمرو بن عبيد.
قال أبو الفتح: أخلص الفعل "لكَلِمَةٍ" هذه الظاهرة، فرفعها، وسَمَّى قولهم: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا 2} ، - كما سمَّوا القصيدة وإن كانت مائة بيت -"كلمةً". وهذا كوضعهم الاسم الواحد على جنسه، كقولهم: أهلك الناسَ الدرهمُ والدينارُ، وذهب الناسُ بالشاة والبعير.
ولله فصاحة الحجاج، وكثرة قوله على منبره: يأيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل! ألا تراه لما أشفق أن يظن به أنه يريد رجلا واحدا بعينه قال: وكلكم ذلك الرجل؟
ومن ذلك قراءة أبي رجاء: "بِوِرْقكُّمْ3"، مكسورة الواو، مدغمة.
قال أبو الفتح: هذا ونحوه عند أصحابنا مخفي غير مدغم، لكنه أخفى كسرة القاف، فظنها القراء مدغمة. ومعاذ الله لو كانت مدغمة [93ظ] لوجب نقل كسرة القاف إلى الراء، كقولهم: يَرُدّ ويَفِرّ ويَصُبّ. ألا ترى أن الأصل يرْدُدُ ويفْرِرُ ويَصْبُبُ، فلما أسكن الأول ليدغمه نقل حركته إلى الساكن قبله؟
وللقراء في نحو هذا عادة: أن يعبروا عن المخفي بالمدغم؛ وذلك للطف ذلك عليهم. منه قولهم في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 4} : إنه أدغم نون "نحنُ" في نون "نَزلنا"
__________
1 سورة الكهف: 5.
2 سورة الكهف: 4.
3 سورة الكهف: 19 والإدغام في القاف.
4 سورة الحجر: 9.

الصفحة 24