كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 2)

ومن ذلك قراءة علي1 وابن عباس "عليهما السلام" وعمرو بن فائد: "لَنَحَرُقَنَّهُ"2، بفتح النون. وضم الراء.
قال أبو الفتح: حرقْتُ الحديدَ: إذا بردتَه، [101و] فتحاتَّ وتساقَطَ. ومنه قولهم: أنه لَيَحْرُق عليَّ الأرَّم، أي: يحك أسنانه بعضها ببعض غيظًا عليَّ. قال:
نُيُوبَهم علينا يحرُقُونا3
وقال زهير:
أبَى الضيمَ والنعمانُ يحْرُق نابَه ... عليه فأفضَى والسيوفُ معاقِلُهْ4
وأنشد أبو زيد، ورويناه عنه:
نُبِّئتُ أحماءَ سُلَيْمَى أنما ... باتُوا غِضَابًا يحرُقون الأرَّما
إن قلتُ أسقَى عاقِلا فأظْلَما ... جَوْنًا وأسقَى الحرتيْنِ الدِّيَما5
فكأن "لنَحْرُقَنَّه" على هذا: لنَبْرُدَنَّه ولنَحُتَّنَّه حتًّا، ثُمَّ، لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا.
ومن ذلك عندي تسميتهم هذا الزورق حراقة، وهو كقولهم لها: سفينة؛ لأنها تَسْفِنُ وجه الماء، فكذلك تَحْرُقُه أيضًا.
ومن ذلك قراءة مجاهد وقتادة: "وَسَّعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا"6.
__________
1 ساقطة في ك.
2 سورة طه: 97.
3 لعامر بن شقيق الضبي، وصدره:
بِذِي فِرْقَيْنِ يومَ بنو حبيب
انظر اللسان "فرق"، وذو فرقين -فيما يقول الأصمعي-: علم بشمالي قطن، وانظر معجم البلدان: "فرق".
4 في مدح حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وانظر ديوان الشاعر: 143. والكامل للمبرد: 2: 102.
5 روي "خبرت" مكان "نبئت"، و"ظلوا" مكان "باتوا"، و"يعلكون" مكان "يحرقون"، و"جودا" مكان "جونا". وعاقل: وادلبني أبان بن دارم من دون بطن الرمة، وأظلم: موضع من بطن الرمة، والجون: الأسود، هنا. يريد سحابا أسود لكثرة مائة، والجود: المطر الغزير. وانظر النوادر: 89، وكامل المبرد: 2: 102، وروى الأساس "حرق" البيت الأول. والشاهد في كل هذه المراجع غير منسوب.
6 سورة طه: 98.

الصفحة 58