كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 2)
ذهب إلى تعليق ينزع في هذا الموضع؟ ولو كان بمنزلة نزع الرَّجُلِ الرِّجْلَ من الخف أو المسمار من الجذع ونحوه [107و] لما جاز تعليقه.
قال أبو علي: فإنما هو إذًا كقولك: لنميزنهم بالاعتقاد والعلم فنخصهم باستحقاق الذم بما يجب اعتقاده في مثلهم. هذا محصول ما كان يقوله أبو علي فيه وإن لم يحضرني الآن صورة لفظه. فكذلك إذًا قوله: "لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يَنْزِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ" أي: فاثبت على دينك ولا يمل بك هواك إلى اعتقاد دين غيرك.
وأما قراءة العامة: {فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} أي: فاثبت على يقينك في صحة دينك ولا تلتفت إلى فساد أقوالهم، حتى إذا رأوك كذلك أمسكوا عنك ولم ينازعوك، فلفظ النهي لهم ومعناه له، صلى الله عليه وسلم. ومثله قولهم: لا أرينك ههنا، ألا ترى أن معناه: لا تكن هنا فأراك؟ فالنهي في اللفظ لنفسه، ومحصول معناه للمخاطب. ومثله قول النابغة:
لا أَعْرَفًا رَبْرَبًا حُورًا مَدَامِعُها ... كأنَّ أبْكَارَها نِعَاجُ دُوَّار1
أي لا تَدْن مني كذلك فأعرفها، وكلام للعرب كثير الانحرافات ولطيف المقاصد والجهات، وأعذب ما فيه تلفته وتثنيه.
__________
1 روي: لأعرفا، وروي: الشطر الثاني:
كأنهن نعاج حول دوار
والربرب: قطيع بقر الوحش، وكنى به عن النساء. وأبكارها: صغارها؛ ويريد بها الجواري من النساء. والنعاج: جمع نعجة، وهي البقرة الوحشية. والدوار: ما استدار من الرمل. يخاطب بني فزارة بن ذبيان، يخوفهم النعمان بن الحارث الغساني، وكانوا قد نزلوا مرجا محميا لا يقربه أحد. انظر ديوان الشاعر: 42، وشرح المعلقات السبع للزوزني: 174، والكتاب: 2: 150.