كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 2)

ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: "لَعِبْرَةً تَسْقِيكُمْ"1.
قال أبو الفتح: ليس قوله: "تَسقيكم" صفة، لعبرة كقولك: لعبرة2 ساقية. ألا ترى أنه ليست العبرة الساقية، إنما هناك حض وبعث على الاعتبار بسقياها لنا أو بسقيا الله "سبحانه" إيانا منها؟ فالوقف إذًا على قوله: "لعبرة"، ثم استأنف "تعالى" تفسير العبرة، فقال: "تسقيكم" هي، أو {نُسْقِيكُمْ} نحن "مِمَّا فِي بُطُونِهَا". وقوله: {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} أحد ما يدل على قوة شبه الظرف بالفعل. ألا تراه معطوفا على قوله: {نُسْقِيكُمْ} ؟ والعطف نظير التثنية، والتثنية تقتضي تساوي حال الاسمين وتشابههما. ومثله في ذلك3 قول الآخر أخبرنا به أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد4 بن يحيى ثعلب:
زَمَانَ عَلَيَّ غُرابٌ غُدافٌ ... فَطَيَّرهُ الشيْبُ عَنِّي فَطَارَا5
فعطف "طيره" على "علي" وهو ظرف.
ومنه قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} 6، فوجود معنى الشرط في الظرف أقوى دليل على قوة شبهه بالفعل؛ لأن الشرط لا يصح إلا به. وسوغ ذلك أيضا أن قوله: "تَسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا" في معنى قوله: لكم في بطونها سقيا، ولكم فيها منافع.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر والثقفي: "هَيْهَاتِ هَيْهَاتِ"7، بكسر التاء غير منونة.
وقرأ: "هَيْهَاتٍ هَيْهَاتٍِ" عيسى بن عمر:
وقرأ: "هَيْهَاتٌ هَيْهَاتٌ" رفع منون -أبو حيوة.
وقرأ: "هَيْهَاتْ هَيْهَاتْ" مرسلة التاء8 عيسى الهمداني، ورويت عن أبي عمرو.
__________
1 سورة المؤمنون: 21.
2 في ك: عبرة.
3 في ك: ومثله قول الآخر.
4 في ك: يحيى بن أحمد، تحريف.
5 لأبي حية النميري. وقبله:
زمان الصبا، ليت أيامنا ... وجعن لنا الصالحات القصارا
والغداف: الأسود، وأصله الشعر الطويل الأسود. يريد أن شعره كان أسود زمن الشباب، وأن الشيب أزال سواده. وانظر الخصائص: 1: 107، واللسان: "غرب".
6 سورة النحل: 53.
7 سورة المؤمنون: 36.
8 يريد مفتوحتها.

الصفحة 90