كتاب المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (اسم الجزء: 2)

حتى كأنه قال: بَعُدَ ما توعدون؛ لأنه لم تؤلف زيادة اللام في نحو هذا، وإنما زيدت في الموضع الذي الغرض بزيادتها فيه تمكين معنى الإضافة، كقوله:
يا بُؤْس للحربِ التي ... وَضَعَتْ أراهِطَ فاستراحُوا1
وكقوله:
يا بؤسَ للجهْلِ ضرًّارًا لأقْوَام2
وإذا لم يكن لها بد من الفاعل ولم يكن الظاهر بعدها فاعلا لها ففيها ضمير فاعل لا محالة، وهو ما قدمنا ذكره3. ومما نون وهو مبني على الضم قوله:
سَلامُ اللهِ يا مَطَرٌ عَلَيْها ... وَلَيْسَ عَليْكَ يا مَطَرُ السلامُ4
ومنه قولهم في الضجر: أفٌّ فيمن ضم ونون، ويؤنسك باستعمالهم من هذا اللفظ اسما معربا قول رؤبة:
هَيْهَاتَ من مُنْخَرِقٍ هَيَْهاؤه5
فكأنه قال: بَعُدَ بُعْدُهُ، وهو كقولهم: جُنَّ جُنُونُه، وضَلَّ ضَلالُه، وقولهم: موتٌ مائتٌ، وشعرٌ شاعرٌ على طريقة المبالغة. وهيهاؤه إذًا فِعْلالُه، كزِلْزَاله وقِلْقَالِه، والهمزةُ فيه منقلبةٌ عن ياء، لأنه من باب6 حَاحَيْتُ وعاعَيْتُ. وقريب من لفظه ومعناه ما أنشدَناه أبو علي من قولِ بعضهم:
فَأَرْفَعُ الجفنَةَ بِالْهَيهِ الرثِعْ7
__________
1 لسعد بن مالك بن ضبيعة، جد طرفة بن العبد، من قصيدة في هجاء حنيفة وعجل ويشكر من بكر، لتخليهم عن حرب بكر وتغلب انظر ذيل الأمالي: 28، والخصائص: 3: 106.
2 المحتسب: 1: 251.
3 قبلها: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} ، فضمير الفاعل "هو" يعود على إخراجكم. وانظر البحر: 6: 405.
4 للأحوص الأنصاري. ويروى من خبر الشاهد أن الأحوص كان يهوى أخت امرأته، ويكتم ذلك، وينسب فيها ولا يفصح، فتزوجها مطر، فغلبه الأمر، وقال الشعر الذي منه هذا البيت. وانظر أمالي الزجاجي: 81، والكتاب: 1: 313 والخزانة: 1: 294.
5 للعجاج، ويروى "من" مكان "في". وانظر الديوان: 4، والخصائص: 3: 43.
6 باب ساقطة في ك.
7 قبله:
قد أخصم الخصم وآتي بالربع
وأخصم الخصم: أغلبه في الخصومة. والربع: بضم الباء، يريد به ربع الغنيمة. وروي بفتحها، وهو: الفصيل ينتج في الربيع وهو أول النتاج؛ وجمعه رباع. ومعنى آتي به: أقتاده وأسوقه. والرتع: الدنيء الشره الحريص. يريد أنه يدنيه ويطعمه على دنس ثيابه دناءته. وذكر ابن الأعرابي له تفسيرا آخر وانظر اللسان "رثع" "وهيه".

الصفحة 93