كتاب جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (اسم الجزء: 2)

شَرْطِ مُسْلِمٍ، لِأَنَّهُ خَرَّجَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ حَدِيثًا، لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ بُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ.
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تَعْرِفُونَهُ، وَلَا تُنْكِرُونَهُ، فَصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنِّي أَقُولُ مَا يُعْرَفُ وَلَا يُنْكَرُ، وَإِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تُنْكِرُونَهُ وَلَا تَعْرِفُونَهُ، فَلَا تُصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنِّي لَا أَقُولُ مَا يُنْكَرُ وَلَا يُعْرَفُ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ أَيْضًا، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَرَوَاهُ الْحُفَّاظُ عَنْهُ عَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا، وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ، مِنْهُمُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ يُثْبِتُ وَصْلَهُ.
وَإِنَّمَا تُحْمَلُ مِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ - عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا - عَلَى مَعْرِفَةِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْجَهَابِذَةِ النُّقَّادِ، الَّذِينَ كَثُرَتْ مُمَارَسَتُهُمْ لِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِكَلَامِ غَيْرِهِ، وَلِحَالِ رُوَاةِ الْأَحَادِيثِ، وَنَقَلَةِ الْأَخْبَارِ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِصِدْقِهِمْ وَكَذِبِهِمْ وَحِفْظِهِمْ وَضَبْطِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ نَقْدٌ خَاصٌّ فِي الْحَدِيثِ يَخْتَصُّونَ بِمَعْرِفَتِهِ، كَمَا يَخْتَصُّ الصَّيْرَفِيُّ الْحَاذِقُ بِمَعْرِفَةِ النُّقُودِ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا، وَخَالَصِهَا
< > وَمَشُوبِهَا، وَالْجَوْهَرِيُّ الْحَاذِقُ فِي مَعْرِفَةِ الْجَوْهَرِ بِانْتِقَادِ الْجَوَاهِرِ، وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ سَبَبِ مَعْرِفَتِهِ، وَلَا يُقِيمُ عَلَيْهِ دَلِيلًا لِغَيْرِهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْرَضُ الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِمَّنْ يَعْلَمُ هَذَا الْعِلْمَ، فَيَتَّفِقُونَ عَلَى الْجَوَابِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ.
وَقَدِ امْتُحِنَ هَذَا مِنْهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي زَمَنِ أَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ، فَوُجِدَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ السَّائِلُ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ إِلْهَامٌ. قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ صَيْرَفِيًّا فِي الْحَدِيثِ، كُنْتُ أَسْمَعُ مِنَ الرِّجَالِ فَأَعْرِضُ عَلَيْهِ مَا سَمِعْتُهُ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ: يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الصَّيْرَفِيِّ الَّذِي يَنْقُدُ الدَّرَاهِمَ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ فِيهَا الزَّائِفُ وَالْبَهْرَجُ وَكَذَا الْحَدِيثُ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كُنَّا نَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَنَعْرِضُهُ عَلَى أَصْحَابِنَا كَمَا نَعْرِضُ الدِّرْهَمَ الزَّائِفَ عَلَى الصَّيَارِفَةِ، فَمَا عَرَفُوا أَخَذْنَا، وَمَا أَنْكَرُوا تَرَكْنَا.
وَقِيلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: إِنَّكَ تَقُولُ لِلشَّيْءِ: هَذَا صَحِيحٌ وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ، فَعَمَّنْ تَقُولُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَتَيْتَ النَّاقِدَ فَأَرَيْتَهُ دَرَاهِمَكَ، فَقَالَ: هَذَا جِيدٌ، وَهَذَا بَهْرَجٌ أَكُنْتَ تَسْأَلُهُ عَمَّنْ ذَلِكَ، أَوْ تُسْلِمُ الْأَمْرَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ كُنْتُ أُسْلِمُ الْأَمْرَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَهَذَا كَذَلِكَ لِطُولِ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالْخُبْرِ بِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَيْضًا، وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ، فَكَيْفَ عَلِمْتَ وَلَمْ تَكْتُبِ الْحَدِيثَ كُلَّهُ؟ قَالَ:

الصفحة 105