كتاب جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (اسم الجزء: 2)

وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ» ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ فَكَفَيْتَهُ» . وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَ التَّوَكُّلِ لَا يُنَافِي السَّعْيَ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَقْدُورَاتِ بِهَا، وَجَرَتْ سُنَّتُهُ فِي خَلْقِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِتَعَاطِي الْأَسْبَابِ مَعَ أَمْرِهِ بِالتَّوَكُّلِ، فَالسَّعْيُ فِي الْأَسْبَابِ بِالْجَوَارِحِ طَاعَةٌ لَهُ، وَالتَّوَكُّلُ بِالْقَلْبِ عَلَيْهِ إِيمَانٌ بِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71] [النِّسَاءِ: 71] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] [الْأَنْفَالِ: 60] ، وَقَالَ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] [الْجُمُعَةِ: 10] . وَقَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ: مَنْ طَعَنَ فِي الْحَرَكَةِ - يَعْنِي فِي السَّعْيِ وَالْكَسْبِ - فَقَدْ طَعَنَ فِي السُّنَّةِ، وَمَنْ طَعَنَ فِي التَّوَكُّلِ، فَقَدْ طَعَنَ فِي الْإِيمَانِ، فَالتَّوَكُّلُ حَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْكَسْبُ سُنَّتُهُ، فَمَنْ عَمِلَ عَلَى حَالِهِ، فَلَا يَتْرُكَنَّ سُنَّتَهُ.

ثُمَّ إِنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَعْمَلُهَا الْعَبْدُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

الصفحة 498