كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (اسم الجزء: 2)

أقول النهي عن الشغار ثابت بالأحاديث الصحيحة من طرق جماعة من الصحابة. وعلى كل حال فكون الشغار من مفسدات العقد غير مناسب لما تقرر في الأصول لأن النهي عن الشغار يقتضي قبحه أو تحريمه أو فساده على اختلاف الأقوال وإذا اقتضى ذلك وجب على كل واحد من الزوجين توفير المهر لزوجته بما استحل من فرجها فهو بمنزلة فساد التسمية وفسادها لا يستلزم فساد عقد النكاح والمهر ليس بشرط للعقد فالحكم بأن الشغار يفسد العقد غير مناسب لما تقرر في الأصول ولا موافق لقواعد الفروع ولو فرض أن النهي عن النكاح الذي فيه شغار لم يكن ذلك مقتضيا لفساد العقد لأن النهي ليس لذات العقد ولا لوصفه بل لأمر خارج عنه وقد تقرر في الأصول أن ذلك لا يوجب الفساد. ويجب على الزوج الوفاء بشرط المرأة لحديث عقبة بن عامر قال: "قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج" وهو في الصحيحين وغيرهما قلت: هو قول أكثر أهل العلم وقالوا قوله صلى الله عليه وسلم "إن أحق الشروط" الخ خاص في شرط المهر إذا سمى لها مالا في الذمة أو عينا عليه أن يوفيها ما ضمن لها وفي الحقوق الواجبة التي هي مقتضى العقد وأما ما سوى ذلك مثل أن يشترط في العقد للمرأة أن لايخرجها من دارها ولا ينقلها من بلدها أو لا ينكح عليها أو نحو ذلك فلا يلزمه الوفاء به وله إخراجها ونقلها وأن ينكح عليها إلا أن يكون في ذلك يمين فليزمه اليمين كذا في المسوى. أقول: الوفاء بمطلق الشروط مشروع قال تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا" وهو حديث حسن ولكن هذا المخصص المتصل أعني قوله "إلا شرطا" الخ يدل على أن ما كان من الشروط بهذه الصفة لا يجب الوفاء به وكما يخصص عموم أول الحديث كذلك يخصص عموم الآية ويؤيد هذا المخصص الحديث المتفق عليه بلفظ "كل شرط ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله فهو باطل" ولا يعارض هذا حديث "أحق الشروط" الخ وهو متفق عليه ووجه عدم المعارضة أن عموم هذا الحديث مخصص بما قبله من الحديثين الدالين على أن الشروط التي تحلل الحرام أو تحرم الحلال مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله لا يجب الوفاء بها

الصفحة 19