كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (اسم الجزء: 2)

سبيلا" وأخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال: غربها قال: أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها" قال المنذري ورجال إسناده محتج بهم في الصحيحين قال ابن القيم عورض بهذا الحديث المتشابه الأحاديث المحكمة الصريحة في المنع من تزوج1 البغايا واختلفت مسالك المحرمين لذلك فيه فقالت طائفة المراد باللامس ملتمس الصدقة لا ملتمس الفاحشة وقالت طائفة بل هذا في الدوام غير مؤثر وإنما المانع ورود العقد على الزانية فهذا هو الحرام وقالت طائفة بل هذا من التزام أخف المفسدتين لدفع أعلاهما فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن لا يصبر عنها فيواقعها حراما فأمره حينئذ بإمساكها إذ مواقعتها بعقد النكاح أقل فسادا من مواقعتها بالسفاح وقالت طائفة بل الحديث ضعيف لا يثبت وقالت طائفة ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية وإنما فيه أنها لا تمنع ممن يمسها أو يضع يده عليها أو نحو ذلك فهي تعطي الليان لذلك ولا يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها الداعي إلى الفاحشة فأمره بفراقها تركا لما يريبه إلى ما لا يريبه فلما أخبره بأن نفسه تتبعها وأنه لا صبر له عنها رأى مصلحة إمساكها أرجح المسالك والله تعالى أعلم انتهى. في المسوى أقول: الظاهر عندي أن مبنى اختلافهم هذا اختلافهم في مرجع "ذلك "في قوله "حرم ذلك" فقال أحمد مرجعه نكاح الزانية والمشركة وقال غيره مرجعه الزنا والشرك والمراد على هذا أن العادة قاضية بأن الزانية لا يرغب فيها إلا زان أو مشرك والزنا والشرك حرام على المؤمنين فنكاحها لا يليق بحال المؤمنين ولا يقولون إن الحديث ناسخ بل يقولون إنه مبين لتأويل الآية ومع ذلك فلا يخلو عن بعد في الكافي مذهب أحمد الزانية يحرم نكاحها كالمعتدة وأما غير أحمد فقولهم جواز نكاح الفاجرة وإن كان الاختيار غير ذلك لحديث "لا ترد يد لامس" قال الواحدي: عن أبي عبيد مذهب مجاهد أن التحريم لم يكن إلا على جماعة خاصة من فقراء المهاجرين أرادوا نكاح البغايا لينفقن عليهم ومذهب سعد أن التحريم كان عاما ثم نسخته الرخصة وأورد أبو عبيد على هذا الحديث أنه خلاف الكتاب
__________
1 في الأصل "تجويز"وهو خطأ.

الصفحة 21