كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (اسم الجزء: 2)

والسنة المشهورة لأن الله تعالى إنما أذن في نكاح المحصنات خاصة ثم أنزل في القاذف آية اللعان وسن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم التفريق بينهما فلا يجتمعان أبدا فكيف يأمر بالإقامة على عاهرة لا تمتنع ممن أرادها والحديث مرسل فإن ثبت فتأويله أن الرجل وصف امرأته بالخرق وضعف الرأي وتضييع ماله فهي لا تمنعه من طالب ولا تحفظه من سارق وهذا أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم وأحرى بحديثه. أقول في الاستدلال بحديث لا ترد يد لامس نظر من وجهين: أحدهما: أن هذا ليس رميا لها بالزنا البتة بل رمي بقلة الاحتياط في أمر الملامسة فيحتمل حينئذ أن لا تتورع من اللمس الحرام وتتورع من حقيقة الزنا المفضي إلى الحد والمقتضي للحبل الموجب للفضيحة الشديدة وكم من امرأة لا تتورع من النظر واللمس المحرمين وتتورع من موجب الحد وسبب الحبل خوفا من الفضيحة فلما لم يصرح بالزنا لم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليه الفراق1 وثانيهما: أن حالة الابتداء تفارق حالة البقاء في أكثر المسائل كالمحرم لا يبتدىء بالنكاح في حالة إحرامه ولا يضره البقاء فإذا جوز النبي صلى الله عليه وسلم إمساكها في حالة بقاء النكاح من أين لكم أنه يجوز ابتداء النكاح انتهى. والعكس وإنما قال بالعكس لأن هذا الحكم لا يختص بالرجل دون المرأة كما تفيد ذلك الآية الكريمة {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} . أقول: هذا هو الظاهر من الآية الكريمة ودعوى أن سبب نزول الآية فيمن سأله صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن ينكح عناقا وكانت مشركة مدفوعة بأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا سيما والآية الكريمة قد تضمنت نكاح الزانية على حدة ونكاح المشركة على حدة وأما حديث "إن امرأتي لا ترد يد لامس" فالظاهر أنه كناية عن كونها زانية لا كما قال المقبلي إن المراد أنها ليست نفورا من الريبة لا أنها زانية ثم استبعد أن يقول له صلى الله عليه وسلم "استمتع بها" وقد عرف أنها زانية وأن ذلك مناف لأخلاقه الشريفة2 وأقول: هذا التأويل خلاف الظاهر والاستبعاد لا يجوز إثبات الأحكام الشرعية
__________
1 هذا هو الوجه الصحيح في فهم الحديث وما عداه غير قوي.
2 بل إن ما قاله المقبلي هو الصحيح ولو كان رميا لها بالزنا لا وجب عليه الحد أو اللعان.

الصفحة 22