كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (اسم الجزء: 2)

إجماع قديم ولم تجمع الأمة ولله الحمد على خلافه بل لم يزل فيهم من يفت به قرنا بعد قرن وإلى يومنا هذا فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس إذا قال: أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف حكاه عنهما ابن وضاح وأما التابعون فأفتى به عكرمة وطاوس وأما تابعو التابعين فأفتى به محمد بن اسحق وحلاس بن عمرو والحارث العكلي وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه وأفتى به بعض أصحاب مالك وأفتى به بعض الحنفية وأفتى به بعض أصحاب أحمد والمقصود أن هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم ولم يأت بعده إجماع يبطله ولكن رأى أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه أن الناس استهانوا بأمر الطلاق وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم فرأى عمر أن هذا مصلحة لهم في زمانه والذي ندين الله تعالى به ولا يسعنا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان انتهى حاصله وتمام هذا البحث في إعلام الموقعين وإغاثة اللهفان للحافظ ابن القيم وفي رسالة مستقلة للماتن وفي كتابنا مسك الختام فليرجع الطالب إليها إن أراد التفصيل والتحقيق وبالله التوفيق
وأما التفريق بين المعسر وبين امرأته فأقول: إذا كانت المرأة مثلا جائعة أو عارية في الحالة الراهنة فهي في ضرار والله تعالى يقول {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} وهي أيضا غير معاشرة بالمعروف والله يقول {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وهي أيضا غير ممسكة بمعروف والله يقول {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} بل هي ممسكة ضرارا والله يقول {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} والنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول "لا ضرر ولا ضرار" وقد ثبت في الفسخ بعدم النفقة ما أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته يفرق بينهما" وأخرجه الشافعي وعبد الرزاق عن سعيد ابن المسيب وقد سأله سائل عن ذلك فقال: يفرق بينهما فقيل له سنة فقال نعم سنة.

الصفحة 54