كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (اسم الجزء: 2)

وما زعمه ابن القطان من توهيم الدارقطني فليس بظاهر ثم من أعظم ما يدل على جواز الفسخ بعد النفقة أن الله سبحانه قد شرع الحكمين بين الزوجين عند الشقاق وجعل إليهما الحكم بينهما ومن أعظم الشقاق أن يكون الخصام بينهما في النفقة وإذا لم يمكنهما دفع الضرر عنها إلا بالتفريق كان ذلك إليهما وإذا جاز ذلك منهما فجوازه من القاضي أولى فإن قلت: تجويزك الفسخ للنفقة بتلك الأدلة العامة يستلزم جوازه من القاضي أولى فإن قلت: تجويزك التضرر بها على أحد الزوجين قلت: النفقة وتوابعهما واجبة للزوجة على زوجها وليس ما يفوت بسبب تلك العيوب بواجب لها عليه ثم التضرر بترك النفقة وتوابعها لا يعادله شئ وإذا كان العيب في الزوجة كالجنون والجذام والبرص فقد فات الزوج شئ واجب له لكن قد جعل الله بيده الطلاق ثم قد ورد في خصوص الفسخ بعدم النفقة ما قدمنا ذكره *
وأما التفريق بين المفقود وبين امرأته فأقول: قد تشعبت المذاهب في هذه المسألة إلى شعب ليس عليه أثارة من علم لا سيما التحديدات بمقادير معلومة من الأوقات منها ماهو رجوع إلى مذاهب الطبائعية كقول من قال: إنه يُنتظر المفقود حتى يمضي له من يوم ولادته مائة وعشرون سنة لأن كل طبيعة من الطبائع الأربع إذا لم يعرض لها ما يفسدها تغلب على الإنسان ثلاثين سنة فتحصل من مجموع الأربع الطبائع مائة وعشرون سنة وهذا مذهب كفري وكلام بمعزل عن الشريعة1 قال الماتن في حاشية الشفاء: وقد رأينا في عمرنا من عاش مائة وسبعا وعشرين سنة ونصف سنة ورأيناه وهو في هذا السن في كمال من حواسه وجوارحه بحيث إنه لم يفقد منها شيئا وهو يذهب ويجيء ويحضر المساجد وغاب عنا بعد ذلك فالله أعلم بعد هذه المدة انتهى.
أقول: وقد رأينا من عاش فوق المائة إلى عشرين سنة أو أكثر من ذلك وهم كثيرون وسمعنا بمن عاش فوق المائة إلى أربعين سنة بل أزيد من ذلك وهم قليلون والقدرة الإلهية صالحة للكل
__________
1لا نرى في هذا شيئا من الكفر فإنه إذا صح أن أحدا بهذا فإنما يرجع فيه إلى سنة الله في خلقه به أن الغالب على الإنسان أن يعيش هذه المدة إذا خلا من الآفات والأمراض وعودي الزمن والذي يظهر لنا أن التقدير بمائة وعشرين خطأ لأن متوسط العمر يبلغه كثير الناس بين الستين والسبعين وما زاد فهو قليل.

الصفحة 55