كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (اسم الجزء: 2)

المشار إليه في الحديث هو شئ متحد بل مختلف باختلاف الاعتبار وقد أوضحت المقام في كتابي دليل الطالب فليراجع. وقال الماتن رحمه الله في الفتح الرباني في جواب سؤال في الفرض للزوجة ونحوها ما لفظه قد اختلفت المذاهب في تقديره النفقة بمقدار معين وعدم التقدير فذهب جماعة من أهل العلم وهم الجمهور إلى أنه لا تقدير للنفقة إلا بالكفاية وقد اختلفت الرواية عن الفقهاء فقال: الشافعي على المسكين والمتكسب مد وعلى الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف وقال أبو حنيفة: على الموسر سبعة دراهم إلى ثمانية في الشهر وعلى المعسر أربعة دراهم إلى خمسة قال بعض أصحابه هذا التقدير في وقت رخص الطعام وأما في غيره فيعتبر بالكفاية انتهى. والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير لاختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون أدعى للطعام من بعض وكذلك الأمكنة فإن بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين وفي بعضها ثلاثا وفي بعضها أربعا وكذلك الأحوال فإنه حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من المقدار الذي تستدعيه حالة الخصب وكذلك الأشخاص فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه وبعضهم قد يأكل نصف صاع ويعضهم دون ذلك وهذا الاختلاف معلوم بالاستقراء التام ومع العلم بالاختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلما وحيفا ثم إنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط بل كان صلى الله تعالى عليه وسلم يحيل على الكفاية مقيدا لذلك بالمعروف كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأحمد بن حنبل وغيرهم "أن هندا قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" فهذا الحديث الصحيح فيه الإحالة على الكفاية مع التقييد بالمعروف والمراد به الشئ الذي يعرف وهو خلاف الشئ الذي ينكر وليس هذا المعروف الذي أرشد إليه الحديث شيئا معينا ولا المتعارف بين أهل جهة معينة بل هو في كل جهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها المتعارف بينهم مثلا أهل صنعاء المتعارف بينهم الآن أنهم ينفقون على أنفسهم وأقاربهم الحنطة والشعير والذرة ويعتادون الإدام سمنا ولحما فلا يحل أن يجعل طعام

الصفحة 76