كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (اسم الجزء: 2)

عليه إنفاقه والرزق يشمل ما ذكرناه قال في الانتصار ومذهب الشافعي: لا تجب أجرة الحمام وثمن الأودية وأجرة الطبيب لأن ذلك يراد لحفظ البدن كما لا يجب على المستأجرة أجرة إصلاح ما انهدم من الدار وقال في الغيث: الحجة أن الدواء لحفظ الروح فأشبه النفقة انتهى قلت: هو الحق لدخوله تحت عموم قوله "ما يكفيك" وتحت قوله رزقهن فإن الصيغة الأولى عامة باعتبار لفظ ما والثانية عامة لأنها مصدر مضاف وهي من صيغ العموم واختصاصه ببعض المستحقين للنفقة لا يمنع من الإلحاق وبمجموع ما ذكرناه يتقرر لك أن الواجب على من عليه النفقة لمن له النفقة هو ما يكفيه بالمعروف وليس المراد تفويض أمر ذلك إلى من له النفقة وأنه يأخذ ذلك بنفسه حتى يرد ما أورده السائل من خشية السرف في بعض الأحوال بل المراد تسليم ما يكفي على وجه لا سرف فيه بعد تبين مقدار ما يكفي بإخبار المخبرين أو تجريب كما سبق وهو معنى قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "بالمعروف" أي لا بغير المعروف وهو السرف والتقتير نعم إذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة جاز لنا الإذن لمن له النفقة بأن يأخذ ما يكفيه إذا كان من أهل الرشد لا إذا كان من أهل السرف والتبذير فإنه لا يجوز لنا تمكينه من مال من عليه النفقة لأن الله تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} بل ورد ما يدل على عدم جواز دفع أموال من لا رشد لهم إليهم كما في قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فجعل الرشد شرطا لدفع أموالهم فكيف يجوز دفع أموال غيرهم إليهم مع عدم الرشد ولكن يجب علينا إذا كان من عليه النفقة متمردا ومن له النفقة ليس بذي رشد أن نجعل الأخذ إلى ولي من لا رشد له أو إلى رجل عدل وأما ما ورد في بعض التفاسير من أن المراد بالسفهاء في قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} تمكين المرأة من مال الرجل كما ذكره السائل فذلك إنما هو باعتبار أن غالب نوع النساء خال عن الرشد وإلا فلا شك أن عدم الرشد يوجد في غيرهن كالصبيان والمجانين ومن يلتحق بهم من البله والمعتوهين وكثير ممن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ولا نشك أيضا أن في النساء من لها من الرشد والكمال ما لا يوجد إلا في أفراد الرجال ومنهن هند بنت عتبة المذكورة في الحديث فإنها كانت من سروات نساء قريش

الصفحة 79