كتاب التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية (اسم الجزء: 2)

حسناته، وفي مثل قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث (البطاقة) الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما: "يجاء برجل من أمتي يوم القيامة فتنشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر، فيقال: هل تنكر من هذا شيئا؟، فيقول: لا يا رب، فيقال: ألك عذر، ألك حسنة؟، فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم قال فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة – قال صلى الله عليه وسلم - فطاشت السجلات وثقلت البطاقة".
خطأ من شهد الربوبية العامة فقط
...
قوله:
فمن نظر إلى القدر فقط وعظم الفناء في توحيد الربوبية، ووقف عند الحقيقة الكونية لم يميز بين العلم والجهل والصدق والكذب والبر والفجور، والعدل والظلم والطاعة والمعصية والهدى والضلال والرشاد والغي، وأولياء الله وأعدائه وأهل الجنة والنار، وهؤلاء مع أنهم مخالفون بالضرورة لكتاب الله ودينه وشرائعه فهم مخالفون أيضا لضرورة الحس والذوق وضرورة العقل والقياس، فإن أحدهم لابد أن يلتذ بشيء فيميز بين ما يأكل ويشرب وما لا يأكل ولا يشرب، وبين ما يؤذيه من الحر والبرد وما ليس كذلك، وهذا التمييز بين ما ينفعه ويضره هو الحقيقة الشرعية الدينية، ومن ظن أن البشر ينتهي إلى حد يستوي عنده الأمران دائما فقد افترى وخالف ضرورة الحس ولكن قد يعرض للإنسان في بعض الأوقات عارض كالسكر والإغماء ونحو ذلك مما يشغله عن الإحساس ببعض الأمور، فإما أن يسقط إحساسه بالكلية مع وجود الحياة فيه فهذا ممتنع، فإن النائم لم يفقد إحساس نفسه بل يرى في منامه ما يسوؤه تارة وما يسره أخرى، فالأحوال التي يعبر عنها بالاصطلام- كالفناء والسكر ونحو ذلك- إنما تنشأ عن عدم الإحساس ببعض الأشياء دون بعض، فهي مع نقص صاحبها لضعف تمييزه لا تنتهي إلى حد يسقط فيه

الصفحة 119