كتاب التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية (اسم الجزء: 2)

فمن المعلوم أن الموجودين إذا اشتركا في أن هذا قائم بنفسه لم يكن أحدهما مثلا للأخر وإذا اشتركا في أن هذا لون وهذا لون وهذا طعم وهذا طعم وهذا عرض وهذا عرض لم يكن أحدهما مثلا للآخر، فإذا اشتركا في أن لهذا مقدارا ولهذا مقدارا ولهذا حيزا ومكانا ولهذا حيزا ومكانا كان أولى أن لا يوجب هذا تماثلهما لأن الصفة للموصوف أدخل في حقيقته من القدر للمقدر والمكان للمتمكن والحيز للمتحيز، فإذا كان اشتراكهما فيما هو أدخل في الحقيقة لا يوجب التماثل, فاشتراكهما فيما هو دونه أولى بعدم التماثل، قال الشيخ: فإنا نعلم أن النار والثلج والتراب والخبز والإنسان والشمس والفلك وغير ذلك كلها مشتركة في أنها متحيزة ممتدة في الجهات كما أنها مشتركة في أنها موصوفة بصفات قائمة بها وفي أنها حاملة لتلك الصفات، وما به افترقت وامتاز بعضها عن بعض أعظم مما فيه اشتركت، فالصفات الفارقة بينها الموجبة لاختلافها ومباينة بعضها لبعض أعظم مما يوجب تشابهها ومناسبة بعضها لبعض.
معنى الأفعال الاختيارية
...
قوله:
وكذلك يقول هذا كثير من الصفاتية الذين يثبتون الصفات. وينفون علوه على العرش وقيام الأفعال الاختيارية به ونحو ذلك، ويقولون الصفات قد تقوم بما ليس بجسم وأما العلو على العالم فلا يصح إلا إذا كان جسما، وحينئذ فالأجسام متماثلة فيلزم التشبيه. فلهذا تجد هؤلاء يسمون من أثبت العلو ونحوه مشبها ولا يسمون من أثبت السمع والبصر والكلام ونحوه مشبها كما يقول صاحب الإرشاد وأمثاله. وكذلك يوافقهم على القول بتماثل الأجسام القاضي أبويعلى وأمثاله من مثبتة الصفات والعلو لكن هؤلاء يجعلون "العلو" صفة خبرية كما هو أول قولي القاضي أبي يعلى. فيكون الكلام فيه كالكلام في الوجه. وقد يقولون إن ما يثبتونه لا ينافي الجسم كما يقولونه في سائر الصفات، والعاقل إذا تأمل وجد الأمر فيما نفوه كالأمر فيما أثبتوه لا فرق.

الصفحة 13