كتاب التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية (اسم الجزء: 2)

متناقض لا يمكن أحد منهم أن يعيش به ولا تقوم به مصلحة أحد من الخلق، ولا يتعاشر عليه اثنان، فإن القدر إن كان حجة فهو حجة لكل أحد وإلا فليس حجة لأحد، فإذا قدر أن الرجل ظلمه ظالم أو شتمه شاتم أو أخذ ماله أو أفسد أهله أو غير ذلك فمتى لامه أو ذمه أو طلب عقوبته أبطل الاحتجاج بالقدر، وإذا فقوله: "فإن الواحد من هؤلاء لا يمكنه أن يطرد قوله ... الخ " معناه: أن هؤلاء المتصوفة المشركية المدعين التحقيق والمعرفة، متناقضون مخالفون للشرع والعقل والذوق، فإنهم لا يسوون بين من أحسن إليهم وبين من ظلمهم ولا يسوون بين العالم والجاهل والقادر والعاجز ولا بين الطيب والخبيث، وهؤلاء المجبرة لا يقفون لا مع القدر ولا مع الأمر، بل كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أيَّ مذهب يوافق هواك تمذهب به، وبهذا يتضح فساد قولهم وشناعة رأيهم وأنه مخالف للنهج المستقيم، والأوصاب: هي الأمراض واحدها وصب.
المؤمن مأمور بأن يفعل المأمور ويترك المحذور
...
قوله:
والمؤمن مأمور بأن يفعل المأمور ويترك المحظور، ويصبر على المقدور كما قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا} ، وقال في قصة يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ، فالتقوى فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، ولهذا قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار} ، فأمره مع الاستغفار بالصبر، فإن العباد لابد لهم من الاستغفار أولهم وآخرهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"، وقال: "أنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة"، وكان يقول: "اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما

الصفحة 131