كتاب التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية (اسم الجزء: 2)
ش: يقول الشيخ إذا عرف كل ما تقدم من التفصيل في بحث القدر فليعلم أن القدرية المعتزلة - وهم نفاة القدر - هم من جهة تعظيم أوامر الله ونهيه واحترام وعد الله ووعيده أفضل من القدرية المجبرة وهم الذين يغلون في إثبات القدر حتى يسلبوا العبد قدرته واختياره كما سبق بيان ذلك. فإن المجبرة بسلبهم قدرة العبد واختياره لم يعظموا شرع الله ووعده ووعيده بل أعرضوا عن ذلك، وهؤلاء الصوفية المجبرة هم من جهة ملاحظتهم القضاء والقدر وعموم المشيئة أفضل من أولئك المعتزلة حيث قالوا إن العبد يخلق أفعال نفسه، على أن في الصوفية المجبرة من هو متلبس بشيء من البدع وفيه إعراض عن بعض أوامر الله ونهيه وعدم اكتراث بوعيده حتى يصل بهم الحال إلى أن يجعلوا مشاهدة الربوبية العامة والاستغراق في ملاحظتها هو الغاية المطلوبة من توحيد الله، وبهذا يكونون بمنأى عن جماعة المسلمين، وفي حيز عن شرع الله، وينطبق عليهم بهذا الاعتبار وصف المعتزلة على أن بدعتهم قد تكون أشنع وأخبث من بدعة القدرية المعتزلة. وكل من نفاة القدر والمحتجين به كان منشؤهم ومنطلق بدعتهم هو البصرة بالعراق.
دين الله هو ما بعث به رسله
...
قوله:
إنما دين الله ما بعث به رسله، وأنزل به كتبه، وهو الصراط المستقيم، وهو طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير القرون وأفضل الأمة، وأكرم الخلق على الله تعالى بعد النبيين، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} فرضي عن السابقين الأولين رضا مطلقا ورضي عن التابعين لهم بإحسان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة خير القرون القرن