كتاب التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية (اسم الجزء: 2)

لقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ، فإن المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك، وهذا القيد يفهم في قرائن الكلام، إذ مراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك غير محتاجة إلى ما يكمل به أمر ملكها، ونظائر هذا كثيرة، فالمراد من قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي كل شيء مخلوق، وكل موجود سوى الله فهو مخلوق ولم يدخل في العموم (الخالق تعالى) وهو سبحانه موصوف بأوصاف الكمال، وصفاته ملازمة لذاته المقدسة. وشيخ المعتزلة الجهمية: الجعد بن درهم وتلميذه الجهم بن صفوان، هما أول من نقل عنه هذا الرأي الزائغ الفاسد، قال الشيخ: "والناس يقرؤون القرآن بأصواتهم ويكتبونه بمدادهم وما بين اللوحين كلام الله غير مخلوق، والمداد الذي يكتب به القرآن مخلوق، والصوت الذي يُقرأ به صوت العبد، والعبد وصوته وحركاته وسائر صفاته مخلوقة، فالقرآن الذي يقرأه الخلق كلام الباري والصوت صوت القارئ".
اقرار المرء بأن الله خالق كل شيء لا يغني عنه إلا إذا نطق بالشهادتين
...
قوله:
وكذلك النوع الثالث، وهو قولهم: هو واحد لا قسيم له في ذاته أو لا جزء له أو لا بعض له، لفظ مجمل. فإن الله سبحانه أحد صمد، لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد، فيمتنع عليه أن يتفرق، أو يتحيز، أو يكون قد ركب من أجزاء، لكنهم يريدون في هذا اللفظ نفي علوه على عرشه، ومباينته لخلقه وامتيازه عنهم ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله، ويجعلون ذلك من التوحيد، فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا فيه ما هو حق وفيه ما هو باطل، ولو كان جميعه حقا، فغن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم الله به في القرآن. وقاتلهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. بل لابد أن يؤمنوا بأنه لا إله إلا الله، وليس المراد (بالإله) هو القادر على الاختراع- كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين- حيث ظن أن الإلهية هي القدرة على الاختراع وأن من أقر بأن الله هو القادر على الاختراع دون غيره، فقد شهد أن لا إله إلا الله، فإن -

الصفحة 76