كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)

بَقَايَا كُتُبِ الأنْبيَاءِ، يُرْوَى أَنَّ مَالِكَ بنَ العَجْلان الأنْصَارِيَّ (¬1) كَانَ يُتحِفُ أَبَا جُبَيلَةَ المَلِكَ (¬2) عِنْدَ نزوْلِهِ بهِمْ بِتَمْرِ نَخْلَةٍ شَرِيفَةٍ كَانَتْ، فَغَابَ مَالِكٌ يَوْمًا فَقَال أَبُو جُبَيلَة: جُدُّوْهَا فَإِنَّ مَالِكًا قَدْ أَتْحَفَنَا بِتَمْرِهَا مَرَّةً، فَجَدَّهَا، فَلَمَّا جَاءَ مَالِكٌ أُخْبِرَ بِذلِكَ فَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِي جُبَيلَةَ وأَنْشَدَ:
جَدَدْتَ جَنَي نَخْلَتِي طَالِبًا ... وَكَانَ الثِّمَارُ لمَنْ قَدْ أَبَرْ
¬__________
(¬1) مَالِكُ بن العَجْلان هَذَا لَمْ يَكُنْ أَنْصَارِيًّا كَمَا ظَنَّ المُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى- وإِنَّمَا هُوَ خَزْرَجِيٌّ جَاهِلِيٌّ مِن سَادَات الأوْسِ والخَزْرَج بيثرب قبل الإسْلامِ، لِذلِكَ لَا يُنْسَبُ أَنْصَارِيًّا، لأنَّ الأنْصَارَ مَنْ نَصَرُوا رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - واتَّبَعُوا دِينَهُ من أَهْلِ يثرب [المدينة الشَّريفة] خَاصَّة حَتَّى أَصْبَحَت هَذ النِّسْبة كالعَلَمِ بالغَلَبَةِ عَلَيهِم، قَال تَعَالى: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} وَقَال تَعَالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} وتكرَّر ذِكْرُ الأنْصَارِ وَمَدْحِهِمْ والثَّناء عَلَيهِم بِهَذه الصِّفَة في الحَدِيثِ، وهو في الشِّعْرِ كَثيرٌ أَيضًا.
* نَصَرُوا نَبيَّهُمُ وشَدُّوا أَزْرَهُ ... *
وَمَالِكٌ هَذَا شَاعِرٌ اختارَ له القُرَشِيُّ في جَمْهرة أشعار العرب (2/ 637) مُذْهَبةً، وله أَخبارٌ في الكامل (1/ 313)، والاشتقاق (457)، والأغاني (3/ 18)، والرَّوْضُ الأنُفِ (1/ 162)، وخزانة الأدب (4/ 208)، وبُلوغ الأرب (1/ 189) ... وغيرها. والنَّصُّ الَّذي ذَكَرَهُ المُؤلِّفُ هُنا في "الكَامِلِ" للمُبَرِّدِ، وصَدَّرهُ بِقَوْلهِ: "يُروى أَنَّ مَالِكَ بنَ العَجْلان أَوْ غَيرِهِ .. "
(¬2) ذكر السُّهَيلِيُّ في الرَّوض الأنف (1/ 162) أبا جُبَيلَةَ الغَسَّانِيَّ هَذَا وخَبَرَهُ مَعَ مَالِكِ بنِ العَجْلانِ فَقَال: "وَخَبَرُ مَالِكِ بن العَجْلان إِنَّمَا هو مَعَ أَبي جُبَيلَةَ الغَسَّانِيَّ حين اسْتَصْرَخَتْ بِهِ الأنْصَارُ على اليَهُوْدِ فَجَاءَ حَتَّى قَتلَ وُجُوْهًا من يَهُوْدَ، ثُم قال: والصَّحِيحُ في اسم أَبي جُبَيلَةُ جُبَيلَةُ -غير مكني- بن عَمْرِو بنِ جَبَلَةَ بي جَفْنةَ، وجَفْنَةُ هُوَ غَلَبَةُ بن عَمْرِو بن عَامرٍ مَاءِ السَّمَاء، وجُبَيلَةُ: هُوَ جَدُّ جَبَلَةَ بن الأيهَمِ آخر مُلُوْكِ بني جَفْنَةَ. وَمَاتَ جُبَيلَةُ من عَلَقَةٍ شَرِبَهَا في مَاءٍ مُنْصَرِفًا عن المَدِينَةِ".

الصفحة 102