كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)
فِرَاقًا وبُعْدًا وإِنْ تَقَارَبَتِ الأشْخَاصُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ (¬1):
وَإِنَّ مُقِيمَاتٍ بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... لأقْرَبُ مِنْ لَيلَى وَهَاتِيكَ دَارُهَا
-[وَقَوْلُهُمْ] (¬2): "لَا تُحْمَدُ حُرَّةٌ عَامَ هِدَائِهَا وَلَا أَمَةٌ عَامَ تَنْزَائِهَا"، وَقَدْ تُسَمِّي العَرَبُ الشَّيءَ بَأَوَّلِ أَحْوَالِهِ، وَتِلْكَ الحَالُ قَدْ ذَهَبَتْ، كَمَا تُسَمِّي بالمَآلِ كَذلِكَ، كَالرَّجُلِ يُوَلَّى خُطَّةُ الوَزَارَةِ وَيَسِيسُهَا، ثُمَّ يُعَزْلُ فَيَبْقَى اسْمُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلنَّاقَةُ إِذَا دَخَلَتْ في الشَّهْرِ العَاشِرِ مِنْ ضِرَاب الفَحْلِ إِيَّاهَا: عُشَرَاء، ثُمَّ تُسَمَّى بِهَذَا الاسْمِ حَتَّى تَضَعَ، وَبَعْدَمَا تَضَعُ أَيَّامًا، قَال امْرُؤُ القَيسِ (¬3):
* عِشَارٌ وُلَّهٌ لاقَتْ عِشَارَا *
فَسَمَّاهَا عِشَارًا بَعْدَ الولادَةِ؛ لأنَّ الوُلَّهَ هِيَ الَّتِي فَقَدَتْ أَوْلادَهَا بِمَوْتٍ أَوْ بِذَبْحٍ.
¬__________
(¬1) يَظْهَرُ أنَّه لِمَجْنُوْنِ بني عَامرٍ، وفي ديوانه (145) قَصِيدَةٌ على وَزْنِهِ وَقَافِيَتِهِ، وورد ذكر "مُنْعَرَجِ اللّوَى" في شعره كثيرًا، وكسر الهَمزة في أول البيتِ وَفَتحها يعتمد على ما قبل البيت، ونحن نجهله، والأصْلُ الكَسْرُ، وأول القصيدة:
ألا مَنْ لنَفْسٍ حبُّ لَيلَى شعَارُها ... مُشَارِكُهَا بَعْدَ العَصِيِّ ائْتِمَارُهَا
(¬2) لَفْظُ المَثِلِ في كثير من كُتَبِ الأدَبِ هكَذَا: "لا تَمْدَحَنَّ أَمَةً عامَ اشْتِرَائِهَا، وَلَا حُرَّة عَامَ ابْتِنَائِهَا" يُراجع: الفاخر (265)، وأمثال أبي عُبَيدٍ (67)، وشرحه "فصل المقال" (77)، ومجمع الأمثال (2/ 213).
(¬3) ديوان امرئِ القيس (148)، وهَذَا الشَّطْر ليس لامْرئ القَيس إِنَّمَا هو للتَّوْأَم اليَشْكُرِيِّ كَمَّلَ بِهِ قَوْلَ امْرِئِ القَيس:
* كَأَنَّ هَزِيزُهُ لِوَرَاءِ غَيبٍ *
وَالتَّوْأَمُ هَذَا لم يُذكَرْ في شُعَرَاءِ بَكْر الَّذي جَمَعه الدُّكتور عبد العزيز نبوي، وطبع في القاهرة سنة (1410 هـ). وكان حقه أن يذكر؟ ! .
الصفحة 142