كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)
وَمِنْ (كِتَاب الأقْضِيَة) (¬1)
[التَّرْغِيبُ فِي القَضَاءِ بالحَقِّ]
-[قَوْلُهُ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ"] [1]. ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِعِلْمِهِ في أَبِي سُفْيَانَ حِينَ اشْتَكَتْ هِنْدَ بِمسكاته "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ". مَجَازُهُ: أَنَّه قَال لَهُ عَلَى جِهَةِ التَّوَاضُعِ، أَي: يُدْرِكُنِي مَا يُدْرِكُكُمْ حَتَّى يُؤَيِّدَنِي اللهُ بالوَحْيِ المُنَزَّلِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ في اللِّسَانِ في تَقْلِيلِ الشَّيءِ وتَحْقِيرِهِ، إِمَّا عَلى التَّواضِعِ أَوْ الذَّمِّ، فَأَمَّا الذَّمُّ فَقَوْلُكَ لِلرَّجُلِ: سَمَعْتَهُ يَتَّصِفُ بالكَرَمِ -إِنَّمَا وَهَبْتَ دِرْهَمًا. وَأَمَّا التَّوَاضُعُ فَكَالْحَدِيثِ، وَكَقَوْلهِ [تَعَالى]: (¬2) {[قُلْ] إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ [مِثْلُكُمْ]}. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ في رَدِّ الشَّيءِ إِلَى حَقِيقَتِهِ، وذلِكَ إِذَا سَمِعْتَ قَوْمًا يَصِفُوْنَ شَخْصًا بالكَرَمِ والشَّجَاعَةِ والعِلْمِ، فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّمَا هُوَ شُجَاعٌ، أي: هَذِهِ صِفَتُهُ الحَقِيقِيَّةِ المَعْلُوْمَةِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وَذَكَرَ الكُوْفِيُّوْنَ أَنَّهَا تَكُوْنُ بِمَعْنَى النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ (¬4):
¬__________
(¬1) المُوطَّأ رواية يَحْيَى (719)، ورواية أبي مُصْعَبٍ الزُّهريِّ (459)، ورواية محمَّد بن الحسن (284)، ورواية سُوَيدٍ الحَدَثَانِيِّ (271)، وتفسير غريب المُوطَّأ (2/ 5 - 51)، والاستذكار (22/ 7)، والمُنْتَقَى (5/ 182)، والقَبَس لابن العربيِّ (869)، وتَنْويرُ الحَوَالِك (2/ 197)، وشرح الزُّرْقَانِيِّ (3/ 383).
(¬2) في الأصل: "قَال"، سورة الكهف، الآية: 110، وأَنْشَدَ اليَفْرَنِيُّ في "الاقْتِضَاب" للْمُغِيرَةِ بن حبناء:
وإِنَّمَا أَنَا إِنْسَانٌ أَعيشُ كَمَا ... عَاشَتْ رِجَالٌ وَعَاشَتْ قَبْلَهَا أُمَمُ
(¬3) سورة النِّسَاء، الآية: 171.
(¬4) هو الفَرزدق همام بن غالب من قصيدة جيِّدة في ديوانه (الصاوي) (2/ 711 - 714، 2/ 152 - 154) (دار صادر) والنقائض (1/ 126 - 128)، وسبب قوله القصيدة أنه قيد نفسه =
الصفحة 177