كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)

أتعْمَدُ إِلَى سِتْرٍ سَتَرَهُ اللهُ فَتكشِفَه؟ ! لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ ذَكَرْتَ شَيئًا مِنْ أَمْرِهَا لأجْعَلَنَّكَ نكالًا لأهْلِ الأبْصَارِ، بَلْ أَنكحْهَا إِنكاحَ العَفِيفَةِ المُسْلِمَةِ.
- وَقَوْلُهُ: "مَا لكَ وَلِلْخَبَرِ". يُرِيدُ: مَا لكَ وَلِذِكْرِ الخَبَرِ، فَحَذَفَ المُضَافَ، أَوْ مَا لكَ وَلِلْخَبَرِ بِمَا كَانَ، فَيَكُوْنُ فِيهِ عَلَى هَذَا التّأويلِ الآخَرِ مَجَازَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنه حَذَفَ بَعْضَ الكَلامِ.
والثَّانِي: أنَّه أَقَامَ الخَبَرَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ مَقَامَ الإخْبَارِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ، كَمَا وَضَعَ المَتَاعَ مَوْضِعَ التَّمْتِيع في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} وَالوَجْهُ الأوَّلُ إِنَّمَا فِيهِ مَجَازٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ حَذْفُ المُضَافِ فَهُوَ أَوْلَى.
- وَقَوْلُهُ: "أحْدَثَتْ". كِنَايَةٌ عَنْ زَنَتْ، كَمَا كَنَّى بِقَوْله [تَعَالى] (¬2): {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}.
- وَقَوْلُهُ: "كادَ أنْ يَضْرِبهُ". كَذَا وَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ، والنَّحْويُّوْنَ يَأْبَوْنَ اجْتِمَاعَ "كَادَ" مَعَ "أَنْ" إلَّا في ضَرُوْرَةِ الشِّعْرِ (¬3)، وَرَأَيتُهُ في كِتَابِ أَبِي
¬__________
(¬1) في الأصل: "ومَتعُوْهُنَ مَتَاعًا حَسَنًا" وَمَا أَثْبَتُهُ من سورة هود، الآية: 3، ولعلَّه هو المَقْصُوْدُ هُنَا. وفي القُرْآن الكَريم قَوْلُهْ تَعَالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ... } سورة البقرة، الآية: 236.
(¬2) سورة المائدة، الآية: 75. قال أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَين بنُ أَحْمَدَ بنِ خَالوَيه في كتابه إعراب القِرَاءَات السَّبع (2/ 308): "ومَن أَحْسَنِ مَا جَاءَ في الكِنَاية {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} كنَّى الله تَعَالى عَنِ الغَائِطِ والبَوْلِ.
(¬3) في رواية يَحْيى المطبوعة بدون "أن" واتصال خبر "كاد" بـ "أن" قليلٌ وليس بضَرُورة كما قَال المؤلّفُ رحمه الله. قَال ابن مالك في شَرْح التسْهِيلِ (2/ 291): "والشَّائِعُ في خَبَر "كَادَ" وروده مُضَارِعًا غير مقترن بـ "أَنْ" كَقوله: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيهِ لِبَدًا} وَوُرُوْده مُقْتَرِنا بـ"أَنْ" قَلِيلٌ، ومنه ما جاء في حديثِ عُمَرَ - رضي الله عنه -: "ما كِدْتُ أُصَلّي العَصْرَ حَتى كَادَتِ الشَّمْسُ =

الصفحة 25