كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)
والمَعْنَى الثَّالِثُ: يُرِيدُوْنَ بِهِ الغَيظَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ المُغْتَاظِ عَلَى الانْتِصَارَ، لأنَّ الكَلْبَ يُرْمَى بالحَجَرِ فَيَعَضُّ عَلَيهِ مِنْ شِدَّةِ الغَيظِ، وَلَهُمْ مِنْ هَذَا المَعْنَى أَمْثَالٌ مِنْهَا: "هُوَ يَحْذِفُ نَابَهُ"، وَ"يَعَضُّ عَلَيهِ الأنَامِلُ" وَ"يَعَضُّ عَلَيهِ الأرَمّ" (¬1). وَهِيَ الأسنَانُ، وَقِيلَ: الأصَابعُ، وَقِيلَ: الحِجَارَةُ. فَمَعْنَى هَذَا الأخِيرِ مِنَ المَعَانِي أغَاضَكَ اللهُ غَيضًا لَا تَقْدِرُ عَلَى الانْتِصَارِ. وإِنَّمَا سَكَتَ
¬__________
= والمُستقصى (2/ 294).
وفي أَمْثال أَبِي عُبَيدٍ أَن هَذَا القَوْلَ يُرْوَى عن أَمِّ المُؤمِنِين عَائِشَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أنَّهَا هي التي قَالته. ثُمَّ أَوْرَدَهُ الشُّعَرَاء في أَشْعَارِهِم وتَمَثَلَ بِهِ النَّاسُ، وَوَرَدَ في أَبْيَاتٍ تُنْسَبُ إلى الأشْتَرِ بنِ مَالكٍ النَّخَعِيُّ قَالهَا في موقعة الجَمَل لَمَّا قَتَلَ مُحَمَّدَ بنَ طَلْحَةَ بنِ عُبَيدِ الله، منها:
وأَشْعَثَ قَوَّامٍ بِآيَاتِ رَبِّهِ ... كَثير التُّقَى فِيمَا تَرَى العَينُ مَسْلِمِ
شَكَكْتُ لَهُ بالرُّمْحِ جَيبَ قَمِيصِهِ ... فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَينِ وللْفَمِ
عَلَى غَيرِ ذَنْبٍ غَيرَ أَنْ لَيسَ تَابِعًا ... عَلِيًّا وَمَنْ لا يتْبعِ الحَقَّ يَظْلِمِ
يُذَكُرُني حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلَّا تَلا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ
يُراجع: شرح أدب الكاتب للجواليقي (361).
وتُرْوَى الأبْيات لِعَدَدٍ مِنَ الشُّعَرَاءِ، وهي في مَصَادِر كثيرة. وجَاءَ في أَبْيَاتٍ للعَبَّاسِ بن مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ الصَّحَابِيُّ - رضي الله عَنْهُ-[ديوانه: 146]:
وَمَا زَال مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِهَا ... وآخرُ يَهْوي للْيدَينِ ولِلفَمِ
.... وَغَيره كثيرٌ.
(¬1) جَاءَ في الصِّحَاحِ للجَوْهَرِيِّ: "يُحَرِّقُ عليه الأرَمَّ" وفي المُسْتَقَصَى، وتمثال الأمثال: "هو يَعَضُّ عليه الأرم" "وهو يُحَرِّقُ عليه الأرَمَ". يُراجع: أمثال أبي عُبيد (353)، وأمثال أبي فَيدٍ (114)، وفصل المقال (482)، وتمثال الأمثال (590)، وهو في اللآليء (75، 369، 375)، واللِّسان، والتَّاج .. والأرَمُّ: الحَصَا، ويُضرب المَثَلُ في إِظْهَارِ الغَيظِ والحِقدِ والعَدَاوَةِ.
الصفحة 31