كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)

لِلمُضَافِ وَإِقَامَةِ المُضَافِ إِلَيهِ مَقَامَهُ، وَحَدِيثُ أَوْسٍ لَيسَ فِيهِ أَنّه كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ مَرَّتَينِ، وَلَا أنَّ النَّبيَّ [- صلى الله عليه وسلم -]، سَأَلهُ عَنْ ذلِكَ. واللَّامُ فِي "لمَا" مُتَعَلِّقَةٌ بـ {يَعُودُونَ} (¬1) وقَال الأخْفَشُ (¬2): هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بالتَّحْرِيرِ، وَفِي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وَتأْخِيرٌ، كَأَنَّهُ قَال: والَّذِينَ يُظَاهِرُوْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَعَلَيهِمْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِلَفْظِهِمْ بالظِّهَارِ، ثُمَّ يَعُوْدُوْنَ لِلْوَطْئِ. وَقَال ثَعْلَبٌ: المَعْنَى: ثُمَّ يَعُوْدُونَ لِنَقْضِ مَا قَالُوا، أَي: مَا عَقَدُوْهُ عَلَى أنْفُسِهِمْ مِنَ الحَلِفِ. وَقَال الفَرَّاءُ (¬3): الَّلامُ بِمَعْنَى "عَنْ" والمَعْنَى: ثُمَّ يَرْجِعُوْنَ عَمَّا قَالُوا، ويُرِيدُوْنَ الوَطْئَ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ الفَقِيه (¬4): العَوْدَةُ هِيَ نَفْسُ القَوْلِ، أَي: عَادَ إِلَى القَوْلِ الَّذِي كَانَ يُقَالُ في الجَاهِلِيّةِ، وَقَدْ قَالهُ قَبْلَهُ غَيرُهُ.
-[قَوْلُهُ]: "لَيسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ" [19]. رُويَ عَنْ مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيرِ أَنّه
¬__________
(¬1) يَقْصُدُ الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا .... } سورة المجادلة، الآية: 3. ونزلت الآية في أوس بن الصَّامت وزوجته خولة بنت ثعلبة. يُراجع: أسباب النُّزول للواحدي (434)، وتفسير الطبري (3/ 28)، والمُحرر الوجيز (14/ 333)، وزاد المسير (8/ 181)، وثفسير القرطبي (17/ 271)، والذُر المنثور (6/ 180).
(¬2) معاني القرآن للأخفش (2/ 537).
(¬3) معاني القرآن للفرَّاء (3/ 139).
(¬4) هو الإمام أبُو حنيفة النُّعْمان صَاحبُ المذهب -رحمه اللهُ تَعَالى-، وإنَّمَا لقَّبه هُنَا بـ"الفقيه" ليفرِّق بينه وبين أَبي حَنِيفَةَ اللُّغَويُّ الدِّينَوَرِيّ صَاحب كتاب "النَّبات" وهو كثيرُ الذِّكرِ له والنَّقل عنه، لِذَا أرَادَ التَّنبِيهَ هُنَا على أَنَّ صَاحبَ هَذَا الرَّأيِ هو أبو حَنِيفَةَ النُّعْمَان صَاحبُ المَذْهَبِ؛ لِذَا قَال: "الفقيه" أي: وَلَيس اللُّغَويَّ.

الصفحة 35