كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)

[كِتَابُ الشَّعْرِ] (¬1)
[السُّنةُ في الشَّعْرِ]
-[قَوْلُهُ: "أمَرَ بِإحفَاءِ الشَّوَارِبِ"] [1] الإحْفَاءُ في اللّغَةِ: الإفْرَاطُ في الشَّيءِ؛ يُقَالُ: سَأَلَ فَأَحْفَى، وفُلانٌ حَفِيٌّ بِفُلانٍ (¬2): إِذَا كَانَ يُكْثِرُ مِنْ بِرِّهِ، وَلِذلِكَ رَأَىْ أَهْلُ العِرَاقِ اسْتِئْصَال الشَّارِب بالحَدِّ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إلى الأخْذِ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُوَ الإطَارُ، وَهُوَ طَرَفُ الشِّفَةِ، وكَذَلِكَ إِطَارُ الظُّفْرِ: اللَّحْمُ المُحِيطُ بِهِ، وإِطَارُ الغِرْبَالِ: جَدَارُهُ المُحْدِقُ بِهِ، فَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُوْنَ الإحْفَاءُ مِنْ قَوْلهِم: حَفِيَتِ الدَّابَّةُ وأَحْفَيتَهَا، وحَفَى السِّكِّينُ: إِذَا لَمْ يَقْطَعْ (¬3)، وأَحْفَيتَهُ، فَكَانَ المُرَادُ بِإِحْفَاءِ الشَّارِبِ: أَنْ يُقْطَعَ أَطْرَافُ شَعْرِهِ الَّتِي تَقْرُبُ مِنَ الفَمِ؛ لأنَّهَا تَنْخَسُ المَرْأَةَ وتُؤذِيهَا عِنْدَ اللَّثْمِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّيءِ الحَدِيدِ التِي تزالُ حِدَّتُهُ بِأَنْ يُحَفَى، وَمَعَ ذلِكَ فَإِنَّ الشَّارِبَ في الحِقْيقَةِ إِنَّمَا هُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ الَّتِي يُشْرَبُ بِهَا المَاءُ، ولِذلِكَ سُمِّيَ شَارِبًا. وَقَال الخَلِيلُ (¬4): الشَّارِبَانِ: مَا طَال من نَاحِيَتَي السَّبَلَةِ، فَإِنْ سُمِّيَتِ الشَّفَةُ كُلُّهَا فَذلِكَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ جُمْلَةِ الشَيءِ بِبَعْضِهِ
¬__________
(¬1) المُوطَّأ رواية يحيى (2/ 947)، ورواية أبي مصعب الزُّهري (2/ 125)، ورواية سُوَيدٍ (476)، ورواية محمد بن الحسن (330)، وتفسير غريب الموطأ لابن حَبِيبٍ (2/ 153)، والاستذكار (27/ 59)، والمنتقى لأبي الوليد (7/ 266)، وتنوير الحوالك (3/ 123)، وشرح الزُّرقاني (4/ 334)، وكشف المغطى (358).
(¬2) في الأصل: "لفلان".
(¬3) السِّكينُ تذكَّرُ وتؤنَّثُ.
(¬4) العين (6/ 257، 258).

الصفحة 361