كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)
الذِينِ تَعْلُوا أَصْوَاتُهُم في حُرُوبهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وأَمْلاكِهِمْ وَمَا يُعَالِجُوْنَ مِنْهَا، وَكَذلِكَ قَال الأحْمَر، يُقَالُ: فَدَّ الرَّجُلُ يَفُدَّ فَهُوَ فَدَّا [دٌ]، إِذَا اشتَدَّ صَوْتُهُ، وأَنْشَدَ:
نُبِّئتُ أَخْوَالِي بَنِي يَزيدُ ... ظُلْمًا عَلَينَا لَهُمُ فَدِيدُ
جَعَلَ "يَزِيدُ" في حُكْمِ الجُمْلَةِ، وأَضْمَرَ فيه فَاعِلًا فَحَكَاهُ كَمَا تُحْكَى الجُمَلُ.
ويُرْوَي "تَزِيدُ" وَ"قَدِيدُ" وَقِيلَ الفَدَّادُوْنَ: المُكْثِرُوْنَ مِنَ الإبِلِ الَّذِينَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمُ المِئِينَ مِنْهَا إِلَى الألْفِ يُقَالُ لَهُ: فَدَّاد إِذَا بَلَغَ ذلِكَ، وَمِنْهُ الحَدِيثُ: "أنَّ الأرْضَ إذَا دُفِنَ فِيهَا الإنْسَانُ قَالتْ لَهُ: رُبَّمَا مَشَيتَ عَلَيَّ فَدَّادًا، ذَا (¬1) مَالٍ كثير وَذَا خُيَلاء". وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيبَانِيُّ يَرْويهِ: "إنَّ الجَفَاءَ والقَسْوَةَ في الفدَادِين"
¬__________
= والأحْمَرُ هو علي بن المُبَارَكِ (ت 194 هـ) نَحَوي، لُغَوي، إِخْبَارِي، اشتَهَرَ بالتَّقدمِ في النَّحْو واتساع في الحفظ، خَلَفَ شَيخَهُ الكِسَائِي في تأديبِ أَبْنَاءِ الرشِيدِ، توفي في طَرِيقِ مَكَة سنة (194 هـ). هَذَا هو المَقْصُودُ بـ"الأحْمَر" هُنَا، هُنَاك عُلَمَاءُ نَحْويون يُلَقبُوْنَ بـ"الأحْمَر" إلا أَن هَذَا كُوفيّ من شُيُوخ أبي عُبَيد. قَال أَبُو عُبَيد في غَرِيبِ الحَدِيثِ لما ذَكَرَ الشاهد المذكورُ هُنَا: "أَنْشَدَنَا الأحْمَرُ" وتُراجع ترجمة الأحْمَرِ في تاريخ بغداد (12/ 104)، وإنباه الرواة (2/ 313)، والمزهر (2/ 410). والبيتان اللذان أنشدهما المُؤَلِّف ينسبان إلى رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاج في ملحقات ديوانه (172)، وقد ضَمَّنُهَمُا ابنُ مُعْطي في ألْفِيَّتِهِ فَقَال:
كَشَابَ قَرْنَاهَا وَذَرَّى حُبًّا .... وَمِنْهُ بَيتٌ قَدْ نَمَتْهُ الأنْبَا
نُبئِّتُ أَخْوَالِي بني يَزِيدُ .... ظلْمًا عَلَينَا لَهُمُ فَدِيدُ
وهما من شواهد المفصَّل، يُراجع: التَّخمير (1/ 164)، وشرح ابن يعيش (1/ 28)، والمبهج (13)، وشَرَحَهُ البَغْدَادِيّ في خزانة الأدب (1/ 130)، ورواية "تزيد" بالتاء على أنه اسمُ قبيلة، يُراجع: الأنساب للسمعاني (3/ 52).
(¬1) في الأصل: "إذا".
الصفحة 374