كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)

بَعْدَمَا كَانَ"؟ أَي: كَانَ عَلَى حَالةٍ جَمِيلَةٍ فَحَارَ عَنْ ذلِكَ أَي: رَجَعَ. وَهَذَا تَصْحِيفٌ إِنَّمَا هُوَ الكَوْرُ بالرَّاءِ يُقَالُ: كَارَ الرَّجُلُ عِمَامَتَهُ: إِذَا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ، وَحَارَ: إِذَا نَقَضَهَا، وَهَذَا الدُّعَاءُ يَتَصَرَّفُ في مَعَانٍ كَثيرةٍ؛ كَالضَّلالِ بَعْدَ الهُدَى، والشَرِّ بَعْدَ الخَيرِ، والفَقْرِ بَعْدَ الغِنَى، والنُّقْصَانِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ، وَذَكَرَ يَعْقُوْبُ بنُ السِّكِّيتِ (¬1) أنّهُ بالرَّاءِ، فَقَال: نَعُوْذُ بالله مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ، يُرِيدُ مِنَ النُّقْصَانِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ. وَقَال: ويُقَالُ: إِنَّ مَعْنَاهُ: القِلَّةُ بَعْدَ الكَثرةِ.

[مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الكَلامَ فِي السَّفَرِ]
- و [قَوْلُهُ "إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ في الغَرْزِ"] [34] الغَرْزُ لِلنَّاقةِ مِثْلُ الرِّكَابِ لِلْفَرَسِ. والوَعْثَاءُ (¬2): المَشَقَّةُ والصعُوْبَةُ، وأَصْلُهُ مِنْ وَعَثَ الرَّمْلِ، وَهُوَ الَّذِي تَسُوْخُ (¬3) فِيهِ الأقْدَامِ لِلِينهِ فَيَتَعَذَّرَ عَلَى المَاشِي رُكُوْبُهُ.
-[قَوْلُهُ: "وَكآبة المُنْقَلَبِ"]. أَنْ يَرْجِعَ مِنْ سَفَرِهِ كَئِيبًا لَمْ يَبْلُغْ مَا أَرَادَ (¬4).
والمُنْقَلَبُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الانْقَلابِ، كالمُنْطَلَقِ بِمَعْنَى الانْطِلاقِ. وَ"سُوْءُ
¬__________
(¬1) إصلاح المنطق (125) قال: "والحُوْرُ: النُّقصان. قال الشَّاعر:
واسْتَعْجَلُوا مِن خَفِيفِ المَضْغِ فازْدَرَدُوا ... والذَّمُّ يَبْقَى وَزَادَ القَوْمِ فِي حُوَرِ
(¬2) غريب الحديث لأبي عُبَيدٍ (1/ 219)، وتهذيب اللُّغَة (3/ 153).
(¬3) في اللِّسان (سوخ): "ساخت بهم الأرض تسوخ سُوْخًا، وسُؤُوْخًا وسَوَخَانًا: إِذِا انْخَسَفَت، وكَذلِكَ الأقْدَامُ تَسُوْخُ في الأرْضِ وتَسِيخُ تَدْخُلُ فِيهَا وتَغِيبُ".
(¬4) في غَرِيبِ الحَدِيثِ لأبي عُبَيد (1/ 220): "وكآبة المُنْقَلب"، يَعْنِي أن يَنْقَلِبَ في سَفَرِهِ بأمرٍ يكتئبُ منه، إما إصابة في سفره، وإما قدم عليه، مثل أن ينقلبَ غيرَ مَقْضِيِّ الحَاجَةِ، أو ذَهَبَ مَالُهِ، أو أَصَابَتُهُ آفةٌ، أو يقدُم على أهلِهِ فَيَجِدُهُم مَرْضَى، أَو فُقِدَ بَعْضُهم، أما أشْبَهَه".

الصفحة 379