كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)
أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ يُفكِّرُوْنَ في الاثْنَيْنِ مَا هُمَا. والوَجْهُ في "تُخْبِرُ" أَنْ يَكُوْنَ: لاَ تُخْبِرُنَا بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى مَعْنَى العَرْضِ كَمَا يُقَالُ فِي التَّقْدِيْرِ: أَمَا تَرَى، ورُبَّمَا حَذَفُوا الهَمْزَةَ فَقَالُوا: مَا تَرَى وَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيْفَةٌ، والمَشْهُوْرُ بالهَمْزِ، أَو يَكُوْنَ مِنَ الأفْعَالِ الَّتِي تَرْفَعُ عَلَى مَعْنَى الإخْبَارِ، والمُرَادُ بِهَا الأمْرُ والرَّغْبَةُ، كَمَا تَقُوْلُ: يَرْحَمُ اللهُ زَيْدًا ويَغْفِرُ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالَى] (¬1): {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} وَمَنْ رَوَى "ألَا تُخْبِرُنَا" بِرَفْعِ الرَّاءِ فَهُوَ أَصَحُّ، وَيَكُوْنُ عَلَى مَعْنَى العَرْضِ والاسْتِدْعَاءِ كَقَوْلِكَ (¬2): "أَلاَ تَفْعَلُ، أَلاَ تَقْعُدُ، أَلاَ تَنْزِلُ" وَرُوِيَ: "ألَّا تُخْبِرُنَا" بِتشدِيْدِ اللاَّمِ، وَمَعْنَاهَا كَمَعْنَى "هَلاَّ" والهَمْزَةُ بدَلٌ مِنَ الهَاءِ، وَمَعْنَاهَا التَّحْضِيْضُ.
- وَ [قَوْلُهُ: "وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ"] [12]. يُقَالُ: جَبَذَ الشَّيْءَ وَجَذَبَهُ: إِذَا مَدَّهُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٌ "يَدْلَعُ لِسَانَهُ" أَيْ: يُخْرِجُ لِسَانَهُ، يُقَالُ: دَلَعَ الرَّجُلُ لِسَانَهُ وأَدْلَعَ: إِذَا أَخْرَجَهُ، وَدَلَعَ اللِّسَانُ نَفْسُهُ.
[مَا جَاءَ في الصِّدْقِ والكَذِبِ]
[قَوْلُهُ: "لَا خَيْرَ فيِ الكَذِبِ"] [15]. المَمْنُوْعُ مِنَ الكَذِبِ مَا كَانَ كَذِبًا عَلَى اللهِ [تَعَالَى] أَوْ عَلَى رَسُوْلهِ [صلى الله عليه وسلم]، أَوْ كَانَ فِيْهِ مَضَرَّةٌ عَلَى مُسْلِمٍ.
أَذْكُرُ قِصَّةَ الحَجَّاجِ بنِ عِلاَطٍ (¬3) وإِسْلاَمَهُ وَقَوْلَهُ لأهْلِ مَكَةَ: أُخِذَ
¬__________
(¬1) سورة البقرة، الآية: 233.
(¬2) في الأصل: "كمالك".
(¬3) عِلاَطٌ -بكسر المُهملة وتخفيف اللَّام- بن خالد بن ثويرة السُّلَمِيُّ، والحَجَّاجُ المَذْكُوْرُ صَحَابِيٌّ، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو بخَيْبَرَ فَأَسْلَمَ. وَقصَّته المذكورة هنا في الإصابة (2/ 34)، عن عَبْدِ الرَّزَّاق ذَكَرَ طَرَفًا من الحَدِيْثِ، وَقَالَ الحَدِيْثُ بِطُوْلِهِ رَوَاهُ =
الصفحة 389