كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)

والثاني: أَنْ يَكُوْنَ سَمَّى أثرَ القَدَمِ قَدَمًا عَلَى مَذْهَبِ العَرَبِ في تَسْمِيَةِ الشَّيءِ باسْمِ الشَّيءِ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ، والعَرَبُ تَقُوْلُ: لَا تَضَعُ قَدَمَكَ عَلَى قَدَمِ فُلانٍ، أَي: لَا تُتْبِعُهُ.
وَحَقِيقَةُ القَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ القِيَامَةَ تكوْنُ في زَمَن نبوتهِ. وَقَدْ اسْتَعْمَلَتِ العَرَبُ أَيضا القَدَمَ بِمَعْنى السِّبْقِ، كَمَا استَعْمَلَتهَا بِمَعْنَى الأثَرِ، وَقَالُوا: لِفُلانٍ قَدَمٌ، وَكَأنَّهُمْ سَمَّوا السَّبْقَ قَدَمًا؛ لأنَّهُ يَكُوْنُ بالقَدَمِ، كَمَا سَمَّوا القُوَّةَ طِرْقًا؛ لأنَّهَا بالطِّرْقِ تكوْنُ، وَهُوَ (¬1) الشَّحْمُ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ [أَنْ] يُرِيدَ لِفُلانٍ قَدَمٌ سَابِقَةٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا الصَّفَةَ حَينَ فُهِمَ المَعْنَى كَمَا قَال (¬2): {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} أَي وَزْنًا نَافِعًا. وَقَال الشَّاعِرُ: (¬3)
أَمَا وَأَبِي الطيرِ المُرِبَّةِ في الضُّحَى ... عَلَى خالِدٍ لَقَدْ وَقَعْتِ عَلى لحْمِ
أَرَادَ: عَلَى لَحْمٍ شَرِيفٍ، ويُقَوِّي هَذَا الوَجْهُ الثّانِي قَوْلُهُمْ. لفُلانٍ شَاهِدٌ أَي: قَدَمٌ سَابِقَةٌ يَحْذِفُوْنَ المَوْصُوْفَ تَارَةً والصِّفَةَ تَارَةً اخْتِصَارًا وإِيجَازًا، ورُبَّمَا جَمَعُوْهُمَا مَعًا كَمَا قَال (¬4):
جَرَوْا وجَرَيتَ إِلَى قَدَمٍ ... فَكَانَتْ لَكَ القَدَمِ السَّابِقَهْ
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا جَاءَ في هَذَا المَعْنَى قَوْلِ الآخَرِ:
أتطْمَعُ عنْدَهُمْ بِيدٍ ... مَا لَكَ عِنْدَهُمْ قَدَمُ
¬__________
(¬1) في الأصل: "وهذا ... "، ويراجع: اللسان: (طرق).
(¬2) سورة الكهف.
(¬3) تقدَّم ذكره.
(¬4) لم أجده في مصادري.

الصفحة 410