كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)
أَبُو عَبْدِ الرَّحمَن المَقْبُرِيُّ، عَن ابنِ (¬1) لَهِيعَةَ فَقَال: صَدَقْتَ، جَزَاكَ اللهُ خَيرًا .. وَهذَا أَشْبَهُ بِكَلامِ عُمَرَ.
-[قَوْلُه]: "مَا عَلَيكم إلَّا تَفْعَلُوا" [95] بِمَنْزِلَةِ قَوْلكَ: مَا عَلَيكَ ألا تَقُوْمَ، أَي: لَيسَ عَلَيكَ أَنْ تمتَنِعَ مِنَ القِيَامِ، وَقَد رُويَ: "لَا" مَكَانَ "مَا" والمَعنَى وَاحِدٌ وَ"لَا" فيها؛ بمعنَى "لَيسَ" والمَعنَى الإبَاحَةُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذلِكَ قَوْلُهُ: "ما مِنْ نَسَمة ... " الحدِيثُ، وأَنَ النَاسَ عَزَلُوا بَعدَ أَنْ قَال لَهُم ذلِكَ، وإِبَاحَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - ذلِكَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الشَّرِيطَةِ المَعلُوْمَةِ مِنَ الاسْتِبْرَاءِ والاغْتِسَالِ والإجَابَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، هذَا فِي الوثنِيَّاتِ، وَفِي الكِتَابِيَّاتِ الاغْتِسَالُ بَعدَ الاسْتِبْرَاءِ -وإِنْ كَانَ لَمْ يذْكرْ فِي الحَدِيثِ- وَهُوَ كَانَ المُتَعَارفَ عَنْدَهُم الَّذِي لَا يَجُوْزُ سِوَاهُ.
واخْتُلِفَ في الغَزْوَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيها هذَا السُّؤَالُ فَقِيلَ: غَزْوَةُ بني المُصطَلِقِ نَفَرٌ مِنْ خُزَاعَةَ أَوْقَعَ بِهِمُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بجِهةِ قُدَيد، بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: المُرَيسِيع (¬2).
وَفِي رِوَايَةِ ابنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحيَى، عَنْ ابنِ مُحَيرِيز، أَنَّ أَبَا سَعيدٍ
¬__________
(¬1) في الأصل: "أبي".
(¬2) المُرَيسِيع: مَوْضِعٌ بينَ مَكَّةَ والمَدِينَة ذَكَرَه يَاقُوت الحَمَوي في "مُعجَم البُلدَان" (5/ 118)، وذكر القصَّة، يُراجع: السيرَة النَّبوية (2/ 289)، وجوامع السِّيرة (203)، والرَّوْض الأنف (6/ 400)، وسُبل الهدى والرَّشاد (4/ 486)، وهو ماء لبني المُصطَلِقِ من خُزَاعَةَ فيه غزوة للنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ السَّبت غُرَّة شَعْبَان سنة (6 هـ) ومن سَبْي هذه المَعرَكَةِ أَمُّ المُؤمنين جُوَيرِيَة - رضي اللهُ عنها - واسمُها: بَرّةُ بنتُ الحارِث بن أَبي ضِرَار المُصطَلِقِي الخُزَاعي، تزَوَّجَها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قِصَّةٍ مَذْكُوْرَة في: المحبرة لابن حبيب (91)، وترجمتها في الاستيعاب والإصابة وغيرهما.
الصفحة 54