كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)

الكَلامِ مَا يُوْجِبُ العُمُوْمِ فَاحْتَمَلَ الكُلَّ، واحْتَمَلَ البَعْضَ، وبِهَذَا تَعَلَّقَ ابنُ القَاسِمِ (¬1) في قَوْلهِ: لَا يَجُوْزُ اشْتِرَاط بَعْضِ المَالِ، وَإِنَّمَا يَجُوْزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ كُلَّهُ أوْ يَدَعَهُ كُلَّهُ. وَمَن رَوَاهُ بِلا هَاءٍ قَال: الظّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ للمُبْتَاعِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضه، وَبِهَذَا تَعَلَّقَ أَشْهَبُ (¬2) في قَوْلهِ: إِنَّ لَهُ اشْتِرَاطُ الكُلِّ أَو البَعْضِ، وَمَا قَالُوْهُ غَيرُ لازِمٍ؛ لأنَّ العَرَبَ قَدْ تُخْرِجُ اللَّفْظَ مَخْرَجَ العُمُوْمِ وَمُرَادُهَا الخُصُوْصُ كقوله [تَعَالى] (¬3): {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ} وَلَمْ يَقُلْ ذلِكَ جَمِيع النَّاسِ، ولا
¬__________
(¬1) ابن القَاسم صَاحبُ الإمامَ مالك، وجَامعُ المُدَوَّنَةَ من كَلامه؛ عبْدُ الرَّحْمن العَتْيقيُّ المصْريّ أَبُو عَبد الله (ت 191 هـ) بمصر، له روايةٌ مَشهُوْرَةٌ للمُوَطَّأ. أخباره في ترتيب المَدَارك (3/ 433)، والدِّيباج المُذْهَّبِ (1/ 463)، وتهذيب التَّهذيب (6/ 252)، وحُسن المُحاضرة (1/ 303).
(¬2) أشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِيز بن دَاوُد القَيسِيُّ، المِصْرِيُّ، صَاحِبُ الإمَامِ مَالِكٍ أَيضًا، فَقِيهُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّة (ت 204 هـ) بعد الشَّافعي - رضي الله عنه - بثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
(لَطِيفَةٌ): قال الحَافظ المزَيُّ في تَهْذِيبِ الكَمَالِ: "رَوَينَا عن مُحَمَّدِ بن عبد الله بن عبد الحَكَمِ أنه قَال: سَمِعْتُ أَشْهَبَ في سُجُودِهِ يَدْعُو على الشَّافِعِي بالمَوْتِ، فَذكرتُ ذلِكَ للشَّافِعِيِّ فأنْشَدَ مَتَمَثلًّا:
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوْتَ وَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فيها بِأَوْحَدٍ
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلاف الَّذِي مَضَى ... تَهَيَّأْ لأُخرَى مِثْلَهَا فَكَأَنْ قَدِ
قَال: فَمَاتَ الشَّافِعِيُّ في رَجَبٍ سَنَةَ أَربَعٍ ومائتين، ومات أَشْهَب بَعْدَهُ بثمانية عَشَرَ يَوْمًا واشتَرَى أَشْهَبُ من تَرِكةِ الشَّافِعِيِّ غلامًا اسمُهُ فتيان، واشتَرَيتُهُ أَنَا من تَرِكَةِ أشْهَب". والبيتان اللَّذَان أنشدهما الشَّافعي ينسبان لعَبِيدِ بن الأبرص، أو لِمَالِكِ بنِ القَينِ الخَزْرَجِيِّ على مَا هُو مَذْكُور في هامش "التَّهْذِيب" والبيتان في ديوان عَبِيدٍ (56، 57) غير متواليين. وأَخْبارُ أشهب في: الجَرْح والتَّعْدِيل (1/ 1 / 342)، وتَرتيبِ المدارك (2/ 447)، وتهذيب الكَمَال (3/ 296)، والدِّيباج المُذهب (1/ 308).
(¬3) سُورة آلِ عِمْرَان، الآية: 173.

الصفحة 95