كتاب التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه (اسم الجزء: 2)
جُمَعَ لَهُمْ جَمِيع النَّاسِ، وكَذلِكَ سُقُوْطُ الضَّمِيرِ لَا يُوْجِبُ حُكْمًا آخرَ غَيرَ حُكْمِ ظُهُوْرِهِ، أَلا تَرَى أَنَّ قوْلَكَ: لَقِيتُ إِخْوتكَ مُسَاوٍ لِقَوْلهِ: الَّذِينَ لَقِيتُهُم إِخْوتُكَ. وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} مُسَاوٍ في المَعْنَى لِقَوْلهِ: بَعَثَهُ، فَإِذَا كَانَ هكَذَا، لَمْ يَكُنْ في ظُهُوْرِ الضَّمِيرِ وَلَا في سُقُوْطِهِ دَلِيل، وَكَانَ الأظْهَرُ يَجُوْزُ اشْتِرَاطُ الجَمِيع أَو البَعْضِ (¬2).
[مَا جَاءَ فِي العُهْدَةِ]
-[قَوْلُهُ: "في الأيَّامِ الثَّلاثَةِ"] [3]. إنَّمَا خَصَّ الثَّلاثَةَ في العُهْدَةِ؛ لأنَّ المَدِينَةَ كَثيرَةُ الحُمَّى، والحُمَّى الرَّبعُ تَتبَيَّنُ في ثَلاثٍ (¬3). والعُهْدَةُ: يُحْتَمَلُ أَنْ تكُوْنَ مُشْتَقَّةً مِنْ قَوْلهِمْ: في هَذَا الشَّيءِ عُهْدَةٌ؛ إِذَا كَانَ فِيهِ فَسَادٌ لَمْ يُحْكَمْ، وَلَمْ يُسْتَوْثَقْ مِنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تكُوْنَ مُشْتَقَّةً (¬4) مِنَ العَهْدِ والمَعْهَدِ وَهُوَ المَوْثقُ، وَمَنْ تَعَهُّدِ الشَّيءِ وَتَعَاهُدِهِ، وَهُوَ تَفَقُّدُهُ والاحْتِفَاظُ بِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلذِّمِّيِّ: مُعَاهِدُ بِكَسْرِ الهَاءِ وَفَتْحِهَا؛ لأنَّه أُعْطِيَ الأمَانَ واسْتَوْثقَ لِنَفْسِهِ. وَقَال الخَلِيلُ (¬5): العُهْدَةُ: كِتَابُ الشِّرَاءِ.
¬__________
(¬1) سُورة الفرقان.
(¬2) اختَصَرَ اليَفْرُنِي رَحمه اللهُ شَرْح هَذ الفَقْرة وأَحَال على كتابه "الكبير" وهو يَقْصد كتابه "المُختار الجامع بين المُنْتَقَى والاسْتِذكار" وقد ذكرتُ موضعَ الإحالةِ على "المُخْتَارِ" في هامش "الاقتضاب" فليُراجع هُنَاك.
(¬3) يُراجع: المُنْتَقى (4/ 174).
(¬4) في الأصل: "مشتق". وفي الاقتضاب: "أن تُشتَقَّ".
(¬5) العين (1/ 103، 118)، وفيه: "وَجَمْعُهُ: عُهَدٌ، ويُقَالُ للشَّيءِ الَّذِي فيه فَسَادٌ: إِنَّ فيه لَعُهْدَةٌ وَلَما يُحْكَمْ بَعْدُ".
الصفحة 96