كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (اسم الجزء: 2)

ثم قال تعالى في ذم المنافقين: (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم) أي: فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير، إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك (ثم جاؤك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً) أى: يعتذرون إليك ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى عداك إلا الإحسان والتوفيق، أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة، كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى) إلى قوله (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) .
قوله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (إلا ليطاع بإذن الله) واجب لهم أن يطيعهم من شاء الله، ولا يطيعهم أحد إلا بإذن الله.
قوله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)
قال الشيخ الشنقيطي: أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جميع الأمور، ثم ينقاد لما حكم به ظاهرا وباطنا ويسلمه تسليما كليا من غير ممانعة ولامدافعة ولامنازعة، وبين في آية أخرى أن قول المؤمنين عصور في هذا التسليم الكلى، والانقياد التام ظاهراً وباطناً لما حكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي قوله تعالى: (إنما كان قول المومنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) الآية.
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رُمح.
أخبرنا الليث عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن عبد الله بن الزبير حدثه، أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شراج الحَرّة التي يسقون بها النخل. فقال الأنصاري: سَرِّح الماء يمر. فأبى عليهم. فاختصموا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير: "اسق. يا زبير! ثم أرسل الماء إلى جارك". فغضب الأنصاري. فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك!

الصفحة 73