كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 2)

وَعلل الشَّرْع فِيمَا يرجع إِلَى ثُبُوت الحكم بهَا كَأَنَّهَا شُرُوط على معنى أَنَّهَا أَمَارَات غير مُوجبَة للْحكم بذواتها بل بِجعْل الشَّرْع إِيَّاهَا كَذَلِك وَالشّرط من وَجه يشبهها على معنى أَن الحكم يصير مُضَافا إِلَى الشَّرْط وجودا عِنْده فَأمكن جعله خلفا عَن الْعلَّة فِي الحكم فَقُلْنَا مَتى عَارض الشَّرْط مَا لَا يصلح أَن يكون عِلّة فِي الحكم صَار مَوْجُودا بعد وجود الشَّرْط فَلَا بُد من أَن يَجْعَل الشَّرْط خلفا عَن الْعلَّة فِي إِثْبَات الحكم بِهِ وَمَتى أمكن جعل الْمعَارض عِلّة بِانْفِرَادِهِ فَلَا حَاجَة إِلَى إِثْبَات هَذِه الْخلَافَة فَلم يَجْعَل للشّرط شبه الْعلَّة
وَبَيَانه فِيمَا قُلْنَا إِن حفر الْبِئْر فِي الطَّرِيق إِيجَاد شَرط الْوُقُوع بِإِزَالَة المسكة عَن ذَلِك الْموضع إِلَّا أَن مَا عَارضه من الْعلَّة وَهُوَ ثقل الْمَاشِي لَا يصلح بِانْفِرَادِهِ عِلّة الْإِتْلَاف بطرِيق الْعدوان وَمَا هُوَ سَببه وَهُوَ مَشْيه لَا يصلح عِلّة لذَلِك فَإِنَّهُ مُبَاح مُطلقًا فَكَانَ الشَّرْط بِمَنْزِلَة الْعلَّة فِي إِضَافَة الحكم إِلَيْهِ حَتَّى يجب الضَّمَان على الْحَافِر وَلَكِن لَا يصير مباشرا للإتلاف حَتَّى لَا تلْزمهُ الْكَفَّارَة وَلَا يحرم عَن الْمِيرَاث فَكَانَ لهَذَا الشَّرْط شبه الْعلَّة لَا أَن يكون عِلّة حكما
وَقُلْنَا فِي شُهُود التَّعْلِيق وشهود الشَّرْط إِذا رجعُوا فَالضَّمَان على شُهُود التَّعْلِيق خَاصَّة لأَنهم نقلوا قَول الْمولى أَنْت حر وَهَذَا بِانْفِرَادِهِ عِلّة تَامَّة لإضافة حكم الْعتْق إِلَيْهِ فَلم يكن للشّرط هُنَاكَ شبه الْعلَّة فَلهَذَا لَا يضمن شُهُود الشَّرْط شَيْئا سَوَاء رَجَعَ الْفَرِيقَانِ أَو رَجَعَ شُهُود الشَّرْط خَاصَّة
وَكَذَلِكَ إِذا رَجَعَ شُهُود التَّخْيِير وشهود الِاخْتِيَار فَإِن الضَّمَان على شُهُود الِاخْتِيَار خَاصَّة لِأَن التَّخْيِير سَبَب وَمَا عَارضه وَهُوَ الِاخْتِيَار عِلّة تَامَّة للْحكم فَكَانَ الحكم مُضَافا إِلَيْهِ دون السَّبَب فَلم يضمن شُهُود السَّبَب شَيْئا كَمَا لَا يضمن شُهُود الشَّرْط
وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا اخْتلف حافر الْبِئْر مَعَ ولي الْوَاقِع فِيهَا وَقَالَ الْحَافِر أوقع فِيهَا نَفسه وَقَالَ الْوَلِيّ لَا بل وَقع فِيهَا فَالْقَوْل قَول الْحَافِر اسْتِحْسَانًا لِأَن الْحفر شَرط جعل خلفا عَن الْعلَّة لضَرُورَة كَون الْعلَّة غير صَالِحَة فالحافر يتَمَسَّك بِمَا هُوَ الأَصْل وَهُوَ صَلَاحِية

الصفحة 324