كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 2)

فِي إِثْبَات التَّمَكُّن من إِقَامَة الرَّجْم بِمَنْزِلَة مَا لَو كَانَ الزَّانِي عبدا مُسلما لنصراني فَشهد عَلَيْهِ نصرانيان أَن مَوْلَاهُ كَانَ أعْتقهُ قبل الزِّنَا فَإِنَّهُ تثبت الْحُرِّيَّة بِهَذِهِ الشَّهَادَة وَلَا يثبت تمكن الإِمَام من إِقَامَة الرَّجْم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمَا لَا مدْخل لشهادة الْكفَّار فِي إِيجَاب الرَّجْم على الْمُسلم فَلَا مدْخل لشهادتهم فِي إِثْبَات التَّمَكُّن من إِقَامَة الرَّجْم على الْمُسلم
قُلْنَا هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن شَهَادَة النِّسَاء دَخلهَا الْخُصُوص فِي الْمَشْهُود بِهِ لَا فِي الْمَشْهُود عَلَيْهِ والمشهود بِهِ لَيْسَ يمس الرَّجْم أصلا وَشَهَادَة الْكفَّار دَخلهَا الْخُصُوص فِي الْمَشْهُود عَلَيْهِ لَا فِي الْمَشْهُود بِهِ فَإِن شَهَادَتهم حجَّة فِي الْحَد على الْكفَّار وَلكنهَا لَيست بِحجَّة على الْمُسلم وَالْإِقَامَة عِنْد الشَّهَادَة تكون على الْمُسلم وَهُوَ حَادث فَلَا تجْعَل شَهَادَتهم فِيهِ حجَّة وَهَذَا لِأَن فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا فِي الشَّهَادَة معنى تَكْثِير مَحل الْجِنَايَة من حَيْثُ الْجِنَايَة على نعْمَة الْحُرِّيَّة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ وعَلى نعْمَة إِصَابَة الْحَلَال بطريقه فِي الْموضع الآخر وَهُوَ الْإِحْصَان
ثمَّ فِي تَكْثِير مَحل الْجِنَايَة يتَضَرَّر الْجَانِي والجاني مُسلم وَشَهَادَة الْكفَّار فِيمَا يتَضَرَّر بِهِ الْمُسلم لَا تكون حجَّة أصلا فَأَما شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا يتَضَرَّر بِهِ الرجل تكون حجَّة وَإِنَّمَا لَا تكون حجَّة فِيمَا تُضَاف إِلَيْهِ الْعقُوبَة وجوبا بِهِ أَو جودا عِنْده وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي هَذِه الشَّهَادَة أصلا
وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله إِذا علق طَلَاقا أَو عتاقا بِوِلَادَة امْرَأَة وَلم يقر بِأَنَّهَا حُبْلَى ثمَّ شهِدت الْقَابِلَة على وِلَادَتهَا يثبت بهَا وُقُوع الطَّلَاق وَالْعتاق لِأَن هَذَا شَرط بِمَنْزِلَة الْعَلامَة من حَيْثُ إِن الطَّلَاق إِنَّمَا يصير مُضَافا إِلَى نفس الْولادَة وجودا عِنْدهَا وَأما ظُهُور الْولادَة فمعرف لَا يُضَاف إِلَيْهِ الطَّلَاق وجوبا بِهِ وَلَا وجودا عِنْده والولادة تظهر بِشَهَادَة النِّسَاء فِي غير هَذِه الْحَالة حَتَّى يثبت النّسَب بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا فَكَذَلِك فِي هَذِه الْحَالة كَمَا فِي مَسْأَلَة الْإِحْصَان
وَلَكِن أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول الْولادَة شَرط مَحْض من حَيْثُ إِنَّه يمْنَع ثُبُوت عِلّة الطَّلَاق وَالْعتاق حَقِيقَة إِلَى وجوده ثمَّ لَا يكون الطَّلَاق وَالْعتاق من أَحْكَام الْولادَة وَشَهَادَة الْقَابِلَة حجَّة ضَرُورِيَّة فِي الْولادَة لِأَنَّهُ لَا يطلع عَلَيْهَا الرِّجَال فَإِنَّمَا تكون حجَّة فِيمَا هُوَ من أَحْكَام الْولادَة أَو مِمَّا لَا تنفك الْولادَة عَنهُ خَاصَّة فَأَما فِي الطَّلَاق وَالْعتاق هَذَا الشَّرْط كَغَيْرِهِ من الشَّرَائِط
وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الْمُعْتَدَّة إِذا جَاءَت بِولد فَشَهِدت الْقَابِلَة على الْولادَة يثبت النّسَب بشهادتها

الصفحة 329