كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 2)

الْأَمر وَقد بَينا أَن الحكم غير مُضَاف إِلَى الْعَلامَة وجوبا وَلَا وجودا
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الْوُجُوب لفائدة رَاجِعَة إِلَى الْعباد فَإِن الله يتعالى عَن أَن تلْحقهُ الْمَنَافِع والمضار أَي يُوصف بِالْحَاجةِ إِلَى إِيجَاب حق على عَبده لنَفسِهِ والفائدة للعباد مَا يكون لَهُم بِهِ من الْجَزَاء وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بِالْأَدَاءِ الَّذِي يكون عَن اخْتِيَار من العَبْد فإثبات الْوُجُوب بِدُونِ أَهْلِيَّة وجوب الْأَدَاء وَبِدُون تصور الْأَدَاء يكون إِثْبَات حكم شَرْعِي هُوَ خَال من الْفَائِدَة وَالْقَوْل بِهِ لَا يجوز
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وكلا الطَّرِيقَيْنِ عِنْدِي غير مرضِي لما فِي الطَّرِيق الأول من مُجَاوزَة الْحَد فِي الغلو وَفِي الطَّرِيق الثَّانِي من مُجَاوزَة الْحَد فِي التَّقْصِير فَإِن القَوْل بِأَنَّهُ لَا عِبْرَة للأسباب الَّتِي جعلهَا الشَّرْع سَببا لوُجُوب حُقُوقه على سَبِيل الِابْتِلَاء للعباد ولتعظيم بعض الْأَوْقَات أَو الْأَمْكِنَة وتفضيلها على بعض نوع تَقْصِير وَالْقَوْل بِأَن الْوُجُوب ثَابت بِنَفس السَّبَب من غير اعْتِبَار مَا هُوَ حكم الْوُجُوب نوع غلو وَلَكِن الطَّرِيق الصَّحِيح أَن يَقُول بِأَن بعد وجوب السَّبَب وَالْمحل لَا يثبت الْوُجُوب إِلَّا بِوُجُود الصلاحية لما هُوَ حكم الْوُجُوب لِأَن الْوُجُوب غير مُرَاد ذمَّة لعَينه بل لحكمه فَكَمَا لَا يثبت الْوُجُوب إِذا وجد السَّبَب بِدُونِ نفس الْمحل فَكَذَلِك لَا يثبت إِذا وجد السَّبَب وَالْمحل بِدُونِ حكم وَهَذَا لِأَن بِدُونِ الحكم لَا يكون مُفِيدا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة فَإِن فَائِدَة الحكم فِي الدُّنْيَا تَحْقِيق معنى الِابْتِلَاء وَفِي الْآخِرَة الْجَزَاء وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الحكم ونعني بِهَذَا الحكم وجوب الْأَدَاء وَوُجُود الْأَدَاء عِنْد مُبَاشرَة العَبْد عَن اخْتِيَار حَتَّى يظْهر بِهِ الْمُطِيع من العَاصِي فَيتَحَقَّق الِابْتِلَاء الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} وَكَذَلِكَ المجازاة فِي الْآخِرَة يَنْبَنِي على هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَهَذَا لِأَن الْوُجُوب خبر لَا اخْتِيَار فِيهِ للْعَبد كَمَا قَالُوا وَإِنَّمَا ينَال العَبْد الْجَزَاء على مَا لَهُ فِيهِ اخْتِيَار فَتبين أَن

الصفحة 335