كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 2)

فِي حَقه بِحكمِهِ وَهُوَ الْأَدَاء من مَاله بِاعْتِبَار الْأَهْلِيَّة الْقَاصِر الذى يكون بِوَاسِطَة الولى مُضَافا إِلَيْهِ وَإِن كَانَت الْولَايَة عَلَيْهِ ثابته لَا بِاخْتِيَارِهِ
وَكَذَلِكَ الْعشْر وَالْخَرَاج فَإِن وجوبهما عَلَيْهِ لما هُوَ حكم الْوُجُوب هُوَ الْأَدَاء بالولى الذى هُوَ قَائِم مقَامه فِي أَدَاء المؤونات فَإِن معنى الْقرْبَة فِي ذَلِك غير مَقْصُود وَإِذا خرج معنى الْقرْبَة من أَن يكون مَقْصُودا ظهر أَن المَال هُوَ الْمَقْصُود فِيهِ وَأَدَاء الولى فِي ذَلِك كأدائه
وَأما الْعُقُوبَات فَلَا يثبت وُجُوبهَا فِي حَقه أصلا مَا كَانَ لله خَالِصا وَمَا كَانَ مختلطا بِحَق الْعباد على مَا بَينا فِي تَقْسِيم فِيمَا سبق وَلَيْسَ الْوُجُوب نَظِير الْحُرْمَة فِي حَقه إِلَّا بعد أَهْلِيَّته لحكم الْحُرْمَة وَالْوُجُوب ينبغى أَن يكون بمثابته
وَهَذَا نَظِير مَا قُلْنَا إِن الْكَافِر لَا يكون أَهلا لوُجُوب حُقُوق الله تَعَالَى الثَّابِتَة بِالْخِطَابِ عَلَيْهِ من الْعِبَادَات لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْل لأَدَاء هَذِه الْوَاجِبَات مَعَ الْإِصْرَار على الْكفْر وَلَا هُوَ أهل لما هُوَ فَائِدَة الْأَدَاء وَهُوَ نيل الثَّوَاب بِهِ فِي الْآخِرَة فَلَا يثبت الْوُجُوب فِي حَقه أصلا بِخِلَاف الحرمات وَوُجُوب الْإِيمَان ثَابت فِي حَقه لوُجُود حكم وَهُوَ وجوب الْأَدَاء وَتحقّق الْأَدَاء مِنْهُ وَلَا يجوز إِثْبَات وجوب الْعِبَادَات فِي حَقه بِشَرْط تَقْدِيم الْإِيمَان على الْأَدَاء الذى هُوَ الحكم لِأَن الْإِيمَان هُوَ الأَصْل فِيمَا ينَال بِهِ الْفَوْز والسعادة الأبدية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلَا يجوز أَن يَجْعَل شرطا مقتضيا لغيره
وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا بلغ الصبى فِي بعض الشَّهْر لَا يلْزمه قَضَاء مَا مضى لِأَن الْوُجُوب لم يكن ثَابتا فِي حَقه لِانْعِدَامِ حكمه وَهُوَ وجوب الْأَدَاء فِي الْحَال أَو فِي الثَّانِي بِاعْتِبَار مَا يلْحقهُ من الْحَرج فِي ذَلِك فَلم يثبت الْوُجُوب أصلا حَتَّى لَو أدّى فِي الْحَال أَو بعد الْبلُوغ كَانَ متنفلا ابْتِدَاء لَا مُؤديا للْوَاجِب
وَكَذَلِكَ الْجُنُون إِذا امْتَدَّ حَتَّى كَانَ مستوعبا للشهر أَو زَائِدا على الْيَوْم وَاللَّيْلَة فِي حكم الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْقَضَاء لِأَن الْوُجُوب لم يكن فِي حَقه لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّته لحكم الْوُجُوب بِسَبَب الْحَرج الذى يلْحقهُ فِي ذَلِك وَإِن كَانَ دون ذَلِك كَانَ الْوُجُوب ثَابتا لوُجُود

الصفحة 338