كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 2)

يسترق والاسترقاق عُقُوبَة على وَجه الْجَزَاء على الْكفْر فَإِن الْكفَّار حِين أَنْكَرُوا وحدانية الله تَعَالَى جازاهم على ذَلِك فجعلهم عبيد عبيده وَفِي الاسترقاق إِتْلَاف حكمي بطرِيق الْجَزَاء لم يثبت اسْتِحْقَاقه فَكيف لَا يثبت اسْتِحْقَاق الْإِتْلَاف الْحَقِيقِيّ إِذا صحت ردته شرعا قُلْنَا أما الضَّرْب إِذا أَسَاءَ الْأَدَب فَهُوَ تَأْدِيب للرياضة فِي الْمُسْتَقْبل وَلَيْسَ بجزاء على الْفِعْل الْمَاضِي مِنْهُ بطرِيق الْعقُوبَة بِمَنْزِلَة ضرب الدَّوَابّ للتأديب وَقد ورد الشَّرْع بِهِ فَقَالَ (تضرب الدَّابَّة على النفار وَلَا تضرب على العثار) وَأما الاسترقاق فَلَيْسَ بطرِيق الْجَزَاء وَلَكِن مَا كَانَ مُبَاحا غير مَعْصُوم وَهُوَ مَحل التَّمَلُّك كالصيود وذراري أهل الْحَرْب بِهَذِهِ الصّفة
فَإِن قيل فقد قُلْتُمْ الْعِصْمَة للآدمي أصل ثمَّ زَوَال هَذِه الْعِصْمَة الثَّابِتَة كَرَامَة تكون بطرِيق الْجَزَاء قُلْنَا لَا كَذَلِك وَلَكِن زَوَال هَذِه الْعِصْمَة كزوال صفة الصِّحَّة الَّتِي هِيَ نعْمَة بِالْمرضِ وَصفَة الْحَيَاة بِالْمَوْتِ وَصفَة الْغنى بِملك المَال بالفقر بِهَلَاك المَال وَأحد لَا يَقُول إِن ذَلِك جَزَاء بطرِيق الْعقُوبَة
فَأَما مَا يتَرَدَّد من حُقُوق الله تَعَالَى وَيحْتَمل أَن لَا يكون مَشْرُوعا فِي بعض الْأَوْقَات أَو لَا يكون حسنا فِي بعض الْأَوْقَات فَإِنَّهُ يثبت حكم صِحَة الْأَدَاء فِيهِ قبل الْبلُوغ بِاعْتِبَار الْأَهْلِيَّة القاصرة وَلَا يثبت وجوب الْأَدَاء المالي والبدني فِيهِ سَوَاء كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج عندنَا فَإِن فِي وجوب الْأَدَاء قبل اعْتِدَال الْحَال إِلْزَام الْعهْدَة وَفِي صِحَة الْأَدَاء فِيمَا كَانَ مِنْهُ بدنيا مَحْض الْمَنْفَعَة لِأَنَّهُ يعْتَاد أداءها فَلَا يشق ذَلِك عَلَيْهِ بعد الْبلُوغ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ التَّنَفُّل بِجِنْس هَذِه الْعِبَادَات بعد أَدَاء مَا هُوَ مَشْرُوع بِصفة الْفَرْضِيَّة فِي حق الْبَالِغين وَمَا كَانَ مِنْهُ ماليا فَفِي صِحَة الْأَدَاء مِنْهُ إِضْرَار بِهِ فِي العاجل بِاعْتِبَار نُقْصَان ملكه فيبتنى ذَلِك على الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة ثمَّ لَيْسَ من ضَرُورَة صِحَة أَدَاء البدني اللُّزُوم فَإِن من شرع فِي صَوْم أَو صَلَاة على ظن أَنَّهَا عَلَيْهِ ثمَّ تبين أَنَّهَا لَيست عَلَيْهِ يَصح مِنْهُ الْإِتْمَام مَعَ انعدام صفة اللُّزُوم حَتَّى إِذا فسد لَا يجب الْقَضَاء وَفِي الْحَج إِذا شرع بِالظَّنِّ ثمَّ تبين أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ تنعدم صفة اللُّزُوم حَتَّى إِذا أحْصر فتحلل لم يلْزمه الْقَضَاء وَيصِح الْإِتْمَام مِنْهُ بعد انْتِفَاء صفة اللُّزُوم
والخصم

الصفحة 344