كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 2)

مَأْذُونا لِأَن فِي إِلْزَام الْعهْدَة معنى الضَّرَر وبالأهلية القاصرة إِنَّمَا يثبت فِي حَقه مَا يتمحض مَنْفَعَة
فَإِن قيل أَلَيْسَ أَنه لَا يَصح مِنْهُ أَدَاء الشَّهَادَة وَفِي تَصْحِيح عِبَارَته فِي أَدَاء الشَّهَادَة تمحض الْمَنْفَعَة فِي حَقه قُلْنَا صِحَة أَدَاء الشَّهَادَة ينبنى على أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وَذَلِكَ ينبنى على الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة لِأَنَّهَا إِثْبَات الْولَايَة على الْغَيْر فِي الْإِلْزَام بِغَيْر رِضَاهُ وَبِدُون الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة لَا يثبت هَذِه الْولَايَة
وعَلى هَذَا الأَصْل قَالَ مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ يَصح أَمَان الصبى الْمُمَيز وَإِن لم يكن مَأْذُونا فِي الْقِتَال لِأَنَّهُ ينبنى على الْعبارَة وَفِي تَصْحِيح عِبَارَته شرعا فِي هَذَا الحكم مَحْض الْمَنْفَعَة وَلَيْسَ فِيهِ إِلْزَام الْغَيْر شَيْئا فَإِن النبذ بعد الْأمان صَحِيح والإلزام بِحكم عقد يتَعَلَّق بِهِ اللُّزُوم وَبِهَذَا الطَّرِيق يَصح من الْبَالِغ وَإِن لم يكن لَهُ ولَايَة الْإِلْزَام على الْغَيْر بعقدة
وَلَكِن أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رضى الله عَنْهُمَا قَالَا فِي تَصْحِيح الْأمان معنى الضَّرَر من حَيْثُ إِنَّه يلْزمه الْكَفّ عَن الْقِتَال والسبى إِلَى وَقت النبذ والأهلية القاصرة لَا تكفى لذَلِك فَأَما الْبَالِغ فقد وجدت الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة فِي حَقه وَهُوَ يلْزم نَفسه أَولا لِأَنَّهُ من أهل الْقِتَال يملك مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ فيلتزم الْكَفّ عَن ذَلِك بالأمان ثمَّ يتَعَدَّى الحكم إِلَى غَيره بِاعْتِبَار أَنه لَا يحْتَمل التحرى وَفِي حق الصبى لَا يُوجد هَذَا فَإِنَّهُ لَا يملك مُبَاشرَة الْقِتَال بِنَفسِهِ فَهُوَ بالأمان يلْزم غَيره الْكَفّ عَن الْقِتَال وَلَا يلْتَزم شَيْئا وعَلى هَذَا قَالَ فِي السّير الْكَبِير لَو قَاتل الصبى الْمَحْجُور أَو العَبْد الْمَحْجُور

الصفحة 347