كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 2)

بالأهلية القاصرة عِنْد تحقق الْحَاجة إِلَى دفع الضَّرَر عَنْهَا
وَقَالَ بَعضهم هَذِه تكون بِغَيْر طَلَاق لِأَن الصَّبِي الْمُمَيز والرضيع الَّذِي لَا يعقل فِي هَذَا الحكم سَوَاء وينعدم فِي حق الرَّضِيع الْأَهْلِيَّة القاصرة والكاملة جَمِيعًا
وَإِذا كَاتب الْأَب أَو الْوَصِيّ نصيب الصَّغِير من عبد مُشْتَرك بَينه وَبَين غَيره وَاسْتوْفى بدل الْكِتَابَة صَار الصَّبِي معتقا بِنَصِيبِهِ حَتَّى يضمن قيمَة نصيب شَرِيكه إِن كَانَ مُوسِرًا وَهَذَا الضَّمَان لَا يجب إِلَّا بِالْإِعْتَاقِ فَيَكْفِي بالأهلية القاصرة فِي جعله معتقا للْحَاجة إِلَى دفع الضَّرَر عَن الشَّرِيك فَعرفنَا أَن الحكم ثَابت فِي حَقه عِنْد الْحَاجة فَأَما بِدُونِ الْحَاجة لَا يَجْعَل ثَابتا لِأَن الِاكْتِفَاء بالأهلية القاصرة لتوفير الْمَنْفَعَة على الصَّبِي وَهَذَا الْمَعْنى لَا يتَحَقَّق فِيمَا هُوَ ضَرَر مَحْض
فَأَما مَا يتَرَدَّد بَين الْمَنْفَعَة وَالضَّرَر فنحو الْمُعَاوَضَات كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالنِّكَاح وَهَذَا ثَابت فِي حق الصَّبِي عِنْد مُبَاشرَة الْوَلِيّ أَو عِنْد الْمُبَاشرَة بِإِذن الْوَلِيّ لِأَن معنى توفير الْمَنْفَعَة فِيهِ متوهم وَكَذَلِكَ معنى الضَّرَر وَلَا ينْدَفع معنى الضَّرَر إِلَّا بِالرَّأْيِ الْكَامِل وَذَلِكَ يحصل عِنْد مُبَاشرَة الْوَلِيّ أَو عِنْد مُبَاشرَة الصَّبِي بعد استطلاع رَأْي الْوَلِيّ فَإِذا انْدفع توهم الضَّرَر الْتحق بِمَا تتمخض فِيهِ الْمَنْفَعَة فَيكون للصَّبِيّ فِيهِ عبارَة صَحِيحَة بالأهلية القاصرة وَهَذَا لِأَن بِهَذِهِ الْأَهْلِيَّة اعْتبرت عِبَارَته فِي تَصْحِيح التَّصَرُّف شرعا فِي حق الْغَيْر فَلِأَن يعْتَبر فِي حق نَفسه كَانَ أولى
وَالْمعْنَى فِيهِ مَا بَينا أَن فِي تَصْحِيح عِبَارَته نوع مَنْفَعَة لَا تحصل لَهُ تِلْكَ الْمَنْفَعَة بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ ثمَّ فِيهِ فتح طَرِيق يحصل الْمَقْصُود عَلَيْهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا بمباشرته بِنَفسِهِ وَالْآخر بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ فَيكون ذَلِك أَنْفَع مِنْهُ إِذا كَانَ الطَّرِيق وَاحِدًا وَقد بَينا أَن بالأهلية القاصرة يثبت مَا فِيهِ توفير الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ
ثمَّ على أصل أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لما صَار الرَّأْي الْقَاصِر فِي حَقه مجبورا بانضمام رَأْي الْوَلِيّ إِلَيْهِ التحقق بالبالغ حَتَّى نفذ تصرفه بِالْغبنِ الْفَاحِش مَعَ الْأَجَانِب كَمَا ينفذ من الْبَالِغ وَلما انْدفع معنى توهم الضَّرَر بِرَأْي الْوَلِيّ جعل بِمَنْزِلَة مَا لَو انْدفع ذَلِك بِرَأْيهِ الْكَامِل بعد الْبلُوغ فَينفذ تصرفه بِالْغبنِ الْفَاحِش

الصفحة 349