كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 2)

وَأما مَا يكون من أَئِمَّة الحَدِيث فَهُوَ الطعْن فِي الروَاة وَذَلِكَ نَوْعَانِ مُبْهَم ومفسر
ثمَّ الْمُفَسّر نَوْعَانِ مَا لَا يصلح أَن يكون طَعنا وَمَا يصلح أَن يكون
وَالَّذِي يصلح نَوْعَانِ مُجْتَهد فِيهِ أَو مُتَّفق عَلَيْهِ
والمتفق عَلَيْهِ نَوْعَانِ أَن يكون مِمَّن هُوَ مَشْهُور بِالنَّصِيحَةِ والإتقان أَو مِمَّن هُوَ مَعْرُوف بالتعصب والعداوة
فَأَما الطعْن الْمُبْهم فَهُوَ عِنْد الْفُقَهَاء لَا يكون جرحا لِأَن الْعَدَالَة بِاعْتِبَار ظَاهر الدّين ثَابت لكل مُسلم خُصُوصا من كَانَ من الْقُرُون الثَّلَاثَة فَلَا يتْرك ذَلِك بطعن مُبْهَم أَلا ترى أَن الشَّهَادَة أضيق من رِوَايَة الْخَبَر فِي هَذَا
ثمَّ الطعْن الْمُبْهم من الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يكون جرحا فَكَذَلِك من الْمُزَكي وَلَا يمْتَنع الْعَمَل بِالشَّهَادَةِ لأجل الطعْن الْمُبْهم فَلِأَن لَا يخرج الحَدِيث بالطعن الْمُبْهم من أَن يكون حجَّة أولى
وَهَذَا للْعَادَة الظَّاهِرَة أَن الْإِنْسَان إِذا لحقه من غير مَا يسوءه فَإِنَّهُ يعجز عَن إمْسَاك لِسَانه فِي ذَلِك الْوَقْت حَتَّى يطعن فِيهِ طَعنا مُبْهما إِلَّا من عصمه الله تَعَالَى ثمَّ إِذا طلب مِنْهُ تَفْسِير ذَلِك لَا يكون لَهُ أصل
والمفسر الَّذِي لَا يصلح أَن يكون طَعنا لَا يُوجب الْجرْح أَيْضا وَذَلِكَ مثل طعن بعض المتعنتين فِي أبي حنيفَة أَنه دس ابْنه ليَأْخُذ كتب أستاذه حَمَّاد فَكَانَ يروي من ذَلِك
وَهَذَا إِن صَحَّ فَهُوَ لَا يصلح طَعنا بل هُوَ دَلِيل الإتقان فقد كَانَ هُوَ لَا يستجيز الرِّوَايَة إِلَّا عَن حفظ وَالْإِنْسَان لَا يقوى اعْتِمَاده على جَمِيع مَا يحفظه فَفعل ذَلِك ليقابل حفظه بكتب أستاذه فَيَزْدَاد بِهِ معنى الإتقان
وَكَذَلِكَ الطعْن بالتدليس على من يَقُول حَدثنِي فلَان عَن فلَان وَلَا يَقُول قَالَ حَدثنِي فلَان فَإِن هَذَا لَا يصلح أَن يكون طَعنا لِأَن هَذَا يُوهم الْإِرْسَال وَإِذا كَانَ حَقِيقَة الْإِرْسَال دَلِيل زِيَادَة الإتقان على مَا بَينا فَمَا يُوهم الْإِرْسَال كَيفَ يكون طَعنا
وَمِنْه الطعْن بالتلبيس على من يكنى عَن الرَّاوِي وَلَا يذكر اسْمه وَلَا نسبه نَحْو رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ بقوله حَدثنَا أَبُو سعيد من غير بَيَان يعلم بِهِ أَن هَذَا ثِقَة أَو غير ثِقَة وَنَحْو رِوَايَة مُحَمَّد بقوله أخبرنَا الثِّقَة من غير تَفْسِير فَإِن هَذَا مَحْمُول على أحسن الْوُجُوه وَهُوَ صِيَانة الرَّاوِي من أَن يطعن فِيهِ (بعض) من لَا يُبَالِي وصيانة السَّامع من أَن

الصفحة 9