كتاب خريدة القصر وجريدة العصر - قسم شعراء المغرب والأندلس جـ 2

أنشأتها للعقول الزهر مصبئة ... كأنّها للنفوس الخرد النشأ
لم يأت قبلي ولن يأتي بها بشر ... وحق أن يخبئوا عنها كما خبأوا
قضيت منها ليوث النظم مجترئاً ... وغير بدع من الضرغام مجترأ
وفي القريض كما في الغيل مأسدة ... والقوم حوز بمرعى البهم قد جزأوا
وجمع بعض قوافيه يؤودهم ... ولو منوا بمبانيها إذ ودأوا
تشجى مسامعهم منها بما سمعوا ... ولا تقر لهم عين إذا قرأوا
وقوله في المراثي من قصيدة:
هيهات ما تغني القبائل والقنا ... والمشرفية في ملاقاة المنى
فعلى مَ تُسْتاقُ العِتاق وإن جرى ... وجرين جاهدة ونين وما ونى
فعلى مَ تُجْتابُ الدّلاصُ فإنّها ... ليست موانع سمره أن تطعنا
إن المنية ليس يدرك كنهها ... فنوافذ الأفهام قد وقفت هنا
في كل شيء للأنام محذّر ... ما كان حذّره شعيب مدينا
وحياتنا سفر وموطننا الردى ... لكن كرهنا أن نحل الموطنا
والعيش أضنك أن تعذر مطلب ... كم من ضناك في مطالبه ضنى
ولربما أعطى الزمان مقاده ... لا تيأسن من قرب صعب أمكنا
لا بد أن تتلو الحياة منية ... من شك أن اليوم يرجي الموهنا
لا ترج إبقاء البقاء على امرئ ... كل النفوس تحل أفنية الفنا
تجد الحياة نفيسة ونفوسنا ... غرباء ترغب عندها متوطنا
لو أنّها شعرت لها وسقت درت ... أن الوفاة هي الحياة تيقنا
لكنها عميت ولم تر رشدها ... ما كل من لحظ الأمور تبينا
فتبصرن مصاب سيدة الورى ... تبصر دناءة ذي الحياة وذي الدنا

الصفحة 287