كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 2)

وتردد محمد عبده على بيت جمال الدين، وتتلمذ عليه وعلى مائدة علمه وفضله؛ وبعد أيام قصيرة سافر جمال الدين إلى الآستانة، وودعه محمد عبده وداعا حارا، وفي الآستانة نال جمال الدين تقديرا كبيرا، وعين عضوا في مجلس المعارف هناك، ولكنه شعر بالدسائس والوشايات تحاك من حوله فعاد إلى القاهرة مرة أخرى في أول المحرم 1288 م، فعاد محمد عبده إلى التلمذة عليه والإفادة من ثقافته.
وعرف محمد عبده من أستاذه جمال الدين أن الاستعمار الغربي وبال على الإسلام والمسلمين، وأنه يجب محاربة الديكتاتورية الملكية، والفساد السياسي؛ وعن طريقه علم أن الأدب يجب أن يكون في خدمة الشعب وتحريره، وأنه يجب أن يتحرر من قيود الصناعة اللفظية، وأن المعنى لا اللفظ هو سر كل بلاغة، وتعود الكتابة الدينية والوطنية في الصحف والمجلات، وبدأ يهتم بمطالعة مصادر الثقافة الإسلامية والأدبية، ويطالع الكتب المترجمة، ويسعى مع إخوانه من تلامذة جمال الدين في إصلاح الأزهر الشريف وفي الإلحاح في طلب الحكم النيابي والديمقراطية السياسية.
وظفر محمد عبده بشهادة العالمية عام 1294 ه‍ 1877 م وأصبح مدرسا بالأزهر ودار العلوم ومدرسة الألسن، وبدأ يكون جيلا جديدا من تلامذته، ينفخ فيهم روح أستاذه جمال الدين.

(2)
وفي الخامس والعشرين من يونيو عام 1879 م عزل إسماعيل وتولى مكانه ابنه توفيق، وقد بدأ حكمه بنفي جمال الدين من مصر، وإقالة محمد عبده من وظائفه العلمية، وتحديد إقامته في قريته «محلة نصر»، وذلك في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1879 م-أواسط رمضان عام 1296 ه‍، خوفا من النهضة الوطنية التي يتزعمانها، ويدعوان إليها، وقبل

الصفحة 22