كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 2)

وتآخى معنا السيد رشيد بحكم صلة الدرس العامة، وبقدرها، وكان هذا لا يمنع بعضنا من توجيه النفس إلى السيد رشيد، توجيها خاصا كلما ظهر السيد رشيد بمواهب ممتازة، قد يطول الحديث عنها، حتى هوجم الأستاذ الإمام في آرائه الدينية والاصلاحية، مهاجمة عنيفة، من كل القوى التي توفرت لها عوامل الكيد والاستبداد، وإذا بالسيد رشيد يبرز في وجوده القوي لمناصرة الحق، والوقوف في وجه هذه الجيوش الحاشدة، فأخذ السيد رشيد يواجه خصوم الشيخ بقلمه ولسانه، وينشر في مجلة المنار آراء أستاذه واتجاهاته، وكان يتلقاه من دروس شيخه، وما كان يعلق عليها بعبارات من عنده تدل على كمال الفهم واستقلال الفكر، وكذلك كان أمر السيد رشيد في كل ما كان يكتب من مقالات، وما يدون من أبحاث! لأن أسلوب الأستاذ الإمام خلق ممتاز، وسيبقى ممتازا. مات الأستاذ الإمام، وللسيد رشيد في نفوس إخوان الشيخ وابنائه منزلة سامية، ومع سمو هذه المنزلة لم يخطر ببال أحد أن السيد رشيد سيرث الشيخ فيما كان يدعو إليه، وأنه سيرتفع صوته في بلاد الإسلام النائية؛ ولكن أبى اللّه سبحانه إلا أن يسير السيد رشيد بخطى واسعة الى الامام، وقدر اللّه لصوته وهو على منبر منارة ان يدوي في بلاد الاسلام والشرق، ولم يصب جهاده في سبيل العلم والدين بعد وفاة شيخه مع كثر المخاطر شيء من الوهن والفتور، ولا جرم ان هذه الميزة هبة الهية لا تمنح الا للقليل من أفذاذ الرجال، لأن حياة الأستاذ الإمام كانت قوية في مصر وفي غير مصر. لهذا كان بقاء صاحب المنار أكثر من ثلاثين عاما بعد وفاة شيخه في وجوده القوي، يصد عادية جيوش الباطل التي لم تفتر ولم تنم، دليلا ملموسا على أنه من الأفذاذ الذين بخل التاريخ بالكثير من أمثالهم، ولعل أكبر شاهد على ذلك ان مهمة السيد رشيد العلمية لم يستطع إلى الآن أن يقوم بها فرد او جماعة على كثرة العلماء والكاتبين. ان لصاحب المنار-رحمة اللّه عليه-من حياته العلمية آثارا كثيرة، وجوانب قوية لا أستطيع أن أوفيها حقها. وقد أردت أن تكون كلمتي فيه الآن مقصورة على علمه بالقرآن وبأسرار القرآن، لأن صلتي به

الصفحة 37