كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 2)

لم تتأكد إلا من درس التفسير على الأستاذ الإمام، ولأن آثاره في تفسير القرآن هي أقوى الآثار وأظهرها في الإقناع والإلزام، ولأن مفسر القرآن إذا أخلص وصدق! استحق الثناء الخالد، لأنه بصدقه وإخلاصه يشرف عقله على الوجود، وعلى ما وراء الوجود، وقد تحقق ذلك للسيد رشيد رحمة اللّه عليه، فالقرآن كتاب الوجود، وكتاب ما وراء الوجود، وكل من جهله، واتجه إلى غيره مهما كان قويا في نظر نفسه، وفي نظر أمثاله، فحياته غير صادقة، وسعادته لا ضمان لها، ولا استقرار، بل المسلمون إذا أخلصوا للقرآن فهما وعملا، وعرضوا جواهره السماوية على عقول البشر، فقد ملكوا كل شيء، لأن العقول من مادة السماء، ومادة السماء إذا تركزت في الأرض محال أن يطغى عليها شهوات النفس الترابية، والانسان إذا أهمل فهم القرآن والتبصر فيه، وقد أحاط بما في الأرض علما، فليس من اللّه ولا من الوجود الحق في شيء، فحصر العقل في جزء صغير من الوجود يستخدمه في حياته المادية لا يصور الحقيقة، ولا يحقق معنى الحياة والسعادة إذ الحياة الانسانية مسبوقة بوجود لانهائي وبعدها وجود لانهائي، ومن حق العقل ان يفكر طويلا في ذلك لوجود اللانهائي، وهذا لا يتم إلا بفهم القرآن. ومن أجل ذلك يقول اللّه تعالى: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا وَهُمْ عَنِ اَلْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ويقول: وَإِنَّ اَلدّارَ اَلْآخِرَةَ لَهِيَ اَلْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. إن لأهل القرآن وأنصاره مرتبتين. المرتبة الأولى-هي فهم معانيه الصحيحة وامتزاجها بالعقل والروح والنفس، فيشع منها النور والقوة بحيث يعملان عملهما في الوجود بقدر الطاقة البشرية، وهذه هي مرتبة النبي صلى اللّه عليه وسلم، ومرتبة الصديقين من أصحابه وأمته إلى يوم الدين.
والمرتبة الثانية هي فهم معانيه فهما صحيحا، وامتزاجها بالعقل، وبالنفس في أغلب أحوالها، وهذه هي مرتبة كبار العلماء والصالحين مع ما في كل من المرتبتين من المنازل المتفاوتة بتفاوت الاستعداد، وصفاء الجوهر. واني أو من إيمانا قويا بأن السيد رشيد قد تمت له المرتبة الثانية في أرقى منازلها، وأرجو أن يكون له نصيب من المرتبة الأولى. وإذا علمتم

الصفحة 38