عليها الأوقاف والرباع. فكان التدريس بتلك المدارس من الأماني التي يصبو إليها كل أستاذ وعالم. فكانت موضع منافستهم الدائمة.
وما وافت نهاية القرن الثامن الهجري حتى كان الانتاج العلمي في أزهى عصوره، وكثر عدد المدارس ومعاهد العلم التي كانت تقوم برسالتها بأمانة واخلاص بجانب الأزهر الذي لم يكن يستطيع مطاولتها في المرتبة، فقد كان نصيبه من الأساتذة والعلماء لا يزال ضئيلا وكانت المدارس قد استأثرت بهم. وخلا الأزهر في تلك الحقبة من أعاظم العلماء المعاصرين أمثال سراج الدين البلقيني والمقريزي وجلال الدين السيوطي الذين كانوا يقومون بالتدريس في تلك المدارس. على ان الأزهر في ذلك الزمن لم يفقد ماله من عظيم الهيبة والمكانة، بل كان لا يزال يحتفظ بمكانته العظيمة في النفوس، لما كان يلقاه فيه الطلاب من الراحة واتساع الحلقات.
ثم أخذت الحركة الفكرية تضمحل شيئا فشيئا، فما وافى القرن العاشر حتى كانت المدارس قد أغلقت بذهاب دولة السلاطين حيث لم تجد من يرعاها بماله وهباته، فقلت مواردها فهجرها مدرسوها وطلابها.
ومما زاد الحال سوءا ضياع استقلال مصر ووقوعها تحت الحكم العثماني فقد قضى سليم شاه على ما بقي من مصر من حضارة وعلم وفن.
وانتزع منها تحفها وآثارها وكتبها النفيسة، وسلبها عمالها وعلماءها فتلاشت طبقتهم وانحط العلم والتعليم.
ولم يكن نصيب الأزهر من ذلك بأقل من غيره، فدبت فيه عوارض الضعف وأهملت فيه دراسة كثير من العلوم. وان كانت اللغة العربية قد وجدت فيه ملجأ ترتاح إليه وتستكن فيه، الى ان قيض اللّه لها الظهور والانتعاش بعد انقشاع الحكم العثماني عن مصر الذي رزحت تحت عبئه أمدا طويلا.
كان لكل مذهب من المذاهب الأربعة عمود معين من عمد الجامع لا يتعدى عليه أحد ولا نشب عراك شديد. وكان شيخ المذهب هو المنوط